لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ ،) ووصف سبحانه محاولات الدهريين وأفكارهم بأنها ظن ، وهذا صحيح ، ما دام الإنسان ذا فكر محدود ، لا قبل له على مد عينيه إلى ما لا يطاله فكره.
٢٦ ، ٢٧ ـ (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧))
[الجاثية : ٢٦ ، ٢٧]
الحق هو المحيي المميت الجامع باعتباره الجوهر الفرد الصمد الذي يصمد إليه في كل أمر ، ولقد كانت مشكلة الفلسفة الملحدة قديما وحديثا هي اضطرارهم رد الطبيعة إلى الطبيعة ، ورد العقل إلى اللاعقل ، وليس ثمت مستند آخر لهؤلاء يستندون إليه في تفكيرهم هذا ، ولقد كانت قضية الواحد الذي لا واحد قبله هي إحدى الحجج التي جابه الملاحدة بها المؤمنين متسائلين وهذا الواحد من خلقه؟ وإن كنتم تقولون إن هذا العالم يقتضي وجود خالق خلقه ، فنحن بدورنا نقول : والخالق هذا يقتضي أيضا خالقا خلقه ما دمتم تقولون أن لا بد للموجود من موجد ، وللمخلوق من خالق .. ومع هذا فلقد قالت الصوفية والفلاسفة المؤمنون وبخاصة المحدثون إن رد الطبيعة اللا عاقلة إلى خالق عاقل أقوى من ردها إليها ذاتها وجعلها ، وهي اللاعاقلة ، مبدأ العقل وبداية تطوره ، وهذا كلام فصلناه من قبل في كثير من المواضع.
٢٨ ـ (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨))
[الجاثية : ٢٨]
الأمة الجمع ، وفي الفلسفة يمكن أن تصنف الأمة على أنها النوع ، والمخلوقات أنواع ، والموجودات أنواع ، وما دام الناس تشخصات المعقولات والمعقولات أنواع ، فإن التصنيف قائم منذ الخليقة وإلى أن يحين ختامها ، فكل أمة مصنفة في اسم ، وكل اسم يمثل معقولا ما ، ووصف سبحانه هذا التصنيف بالجثو أي الجلوس والخضوع باعتبار الموصوف عبد الصفة ومحلها.
٢٩ ، ٣٧ ـ (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ