هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩))
[الدخان : ٥٩]
الفصل فصل بين العباد ، ولهذا كان معنى الفصل القيامة ، والقيامة الآن في مصطلحات الصوفية ، وتفيد الديمومة والاستمرار ، فمنذ قبض الله قبضته من نسم بني آدم وقال لها كوني في النار ، ثم قبض الله قبضة أخرى وقال لها كوني في الجنة فالفصل قائم ومستمر ، ولهذا جاء في الآية أن الفصل ميقات ، وموسى جاء لميقات ربه ، فالفصل ميقات ، والميقات الزمن الإلهي العالي على الزمان ، والمرحومون مرحومون منذ التفريق بين القبضتين والمغضوب عليهم كذلك ، وهم ممثلو أسماء البلاء ، نعوذ بالله من بلائه ، ونعوذ به منه ، فهؤلاء أصحاب البعد والحجاب ، يأكلون من شجرة الزقوم ، وهي شجرة صفات القهر ، فهم مقهورون باطنا يستمعون إلهام الفجور ويتبعونه صاغرين ، ما كان لهم أن يأكلوا من شجرة أخرى ، ذلك هو الفصل العزيز الحكيم ، فصل الأسماء إقامة للأسماء ، وجعلها متقابلة ليقوم الضد بالضد ، فلا بد من التفرقة ، ولا بد من الجنة والجحيم ، ولا بد من أصحاب سعادة وأصحاب شقاء ، وذكّرت الصوفية بقوله تعالى في الحديث القدسي : (ورحمتي سبقت غضبي) ، وفصل ابن عربي القول في الطبيعة المتجانسة بين النار وأهلها حتى انقلب عذابها عذوبة ، وبين الجنة وأهلها ، وتحدثت الآيات من ثم عن أهل الجنة المتكئين على أرائك الصفات الجميلة ، اللابسين ثيابها من السندس والإستبرق ، المتقابلين حكما ليكون المؤمن أخا المؤمن ، وليكون بالتالي الكافر أخا الكافر ، والمنافق أخا المنافق ، وكل في فلك يسجدون ويسبحون في فضاء الصفات العريض ، ما كان لجرم أن يخرج عن فلكه ليسبح في فلك آخر ، ولهذا كان الإخوة من الصفة آمنين ، إلا من طغا فكان من الهالكين.