٧٩ ـ (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩))
[الزخرف : ٧٩]
إبرام الأمر سواء على الصعيد الجزئي أم على الصعيد الكلي هو من أمر الله وبإذنه ، وكيف لا يكون الأمر كذلك وهو الملك في السموات وفي الأرض؟ فكل أمر أبرم فلقد أبرم بإذن الله ، وهذا هو معنى التوحيد ، ومعنى قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) لذهب كل إله بما خلق) ، فإذا أبرم إنسان أمرا بغير إذن الله فهو إله ، وإذا أبرم الناس جميعا أمورا فهذا يعني أنهم آلهة يضافون إلى الوجود الإلهي الواحد وهذا مستحيل ، قال سبحانه مخاطبا نبيه تنبيها على هذه الحقيقة : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
٨٠ ـ (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠))
[الزخرف : ٨٠]
تتابع الآية شرح ما جاء في الآية السابقة ، فالله مطلع على السرائر ، وهو في السريرة ، وعند المكاشفة هو السريرة ، ولهذا قال سبحانه في النفس : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) ،) فباطن الإنسان وجود إلهي يعمل فيه ملائكة المعقولات ناشطين يكتبون عن الله إملاء ما يجب أن يعملوا ، ويكتبون من تحتهم من الأجزاء والأبعاض نتائج العمل فيرفعونه إلى الله.
٨١ ، ٨٢ ـ (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢))
[الزخرف : ٨١ ، ٨٢]
ليس في الوجود إلا الله ، ولهذا أقسم سبحانه في موضع آخر قائلا : (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) ،) فعمليات الولادة الجزئية موضع النشاط الإلهي ، ولقد ذهبت الصوفية ، ومن قبلهم الفيثاغوريون ، مذهبا شبهوا فيه الفيض الإلهي بالولادة ، ولكن هذه الولادة معنوية ، وإلا فمن هو الإنسان على الحقيقة حتى يمكن أن يكون لله ولد ، وقد قلنا أن لا موجود بحق إلا الله؟
٨٣ ـ (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣))
[الزخرف : ٨٣]
كررت هذه الآية في العديد من السور ، فالله سبحانه شبه ما الناس فيه بأنه لعب ولهو ، والحقيقة أن اللعبة إلهية ، والقصد من مصطلح اللعب كما يكون الأمر في الملاعب الرياضية ، أي أن اللعب الوجودي هو لعب الأسماء ، وبهذا يكون اللعب الوجودي هو النشاط الوجودي الأسمائي الإلهي نفسه ، فمن غفل عن أن لله اللعب بالأسماء فلقد جهل القصد ، ومن فهم القصد عبد واتقى وعلم.