٨٤ ، ٨٥ ـ (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥))
[الزخرف : ٨٤ ، ٨٥]
التدبير من الاسمين المذكورين ، أي من الحكمة إلى العلم ، فالحكمة أصل العلم ، وللعلم قصد هو الحكمة ، وإلا لكان اللعب لعبا بحق ، أي بغير قصد وهدف ، والحكمة إظهار الصفات ، ثم ظهور الله ، هذا هو الأمر في جملته ، ولكنه يكون كليا مطويا كما يكون الثمر مطويا في الزهر ، والزهر مطويا في البراعم ، والبراعم مطوية في الأغصان التي لما يأتها الربيع بعد.
أما الانتشار فهو تحقق اسمه العليم نفسه حتى تتكون البراعم ثم تتفتح فتكون أزهارا ، ثم ينعقد الزهر فيكون ثمارا ، فإذا الله ظاهر في مظاهر الصفات ، وهي للعارفين جنات دانية القطوف ، جنيها حلال ، ولذة التذوق مثل شرب الماء البارد على الظمأ في آخر يوم الصوم.
٨٦ ـ (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦))
[الزخرف : ٨٦]
من شهد بالحق يعني الشهادة بالحق ، أي أن يشاهد الحق بالحق ، وهذه نهاية معارج العارفين إلى الحق بالحق ، والشفاعة تكون للمشاهدين لأسباب ، ذلك أن الشفاعة نوع من الاسترحام وطلب المغفرة ، وهي نتيجة بدهية لمن يشاهد مشاهدة ذوقية أن الكون كله مخلوق مرحوم. وأنه لو لا الرحمة ما كان ، وأنه من دون الرحمة لا يقوم ولا يدوم ، وأنه صائر إلى الرحمة لأن الرحمة البحر ، منه وبه وإليه.
٨٧ ، ٨٨ ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨))
[الزخرف : ٨٧ ، ٨٨]
لا انصراف عن عبادة الله طوعا أو كرها ، وهو أمر أوضحناه سابقا مبينين أن هذه الجزئيات كوى للكليات ، وأن الكليات إشعاعات نورانية للنور القاهر ، وكانت الصوفية ، ومن قبلهم أفلوطين ، قد شبهوا أنوار الحق بأشعة الشمس الداخلة إلى مكان ، فهي لا يمكن فصلها عنه ولا هو ملتحم بها ، والشمس قاهرة باعتبارها مضيئة ، فمن دون الشمس لا زمان ولا مكان فأنى توجه الإنسان فالله قدامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فأنى يؤفكون؟
٨٩ ـ (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩))
[الزخرف : ٨٩]
أوتي صلىاللهعليهوسلم مرتبتي العلم الذوقي والعلم التشريعي ، فجمع بذلك بين المطلق والمقيد ، وبين اليقين وما تحته ، وكان بذلك سيد العلماء وسيد العارفين ، ومن نتائج علم الذوق وعلم