ذكر الرحمن نور الضمير الممثل لاسمه سبحانه الهادي ، فهو بمثابة المصباح في الدياجير ينير للإنسان طريقه ، فيدرب درب الصلاح حتى يبلغ مأمنه ، ومن لا نور له لا ضمير له ، ومن لا ضمير له فإن له ظلمة ممثلها اسمه سبحانه المضل ، فالمضل هو من تعين في القرين وقاد الضال إلى السبيل المرسوم عينا فصده عن السبيل القويم الذي يسلكه المؤمنون.
٤٣ ، ٤٤ ـ (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤))
[الزخرف : ٤٣ ، ٤٤]
عانت الأنبياء على مدى التاريخ ما عانوا ، وتعرضوا للعذاب والهوان على أيدي الكافرين والمشركين ، ولكم قتلت أنبياء في سبيل الله ، ولكم أحيط بهم في البر والبحر من قبل الظالمين ، لكن الله ثبت أنبياءه بالقول الثابت ، وثبتهم بالنور المبين ، نور الذات الذي إذا شع وضاء أشرق صبح اليقين في القلب ، فثبت في وجه العاديات ، وتحمل في الله ما تعجز عن تحمله السموات والأرض ، ولقد عرفت الأنبياء والأولياء بالصبر والثبات والجلد واشتهروا ، وقال إبن عربي : لا يخلو الزمن من منازع ، ولما حم القضاء ، وجعل الجلادون يقطعون يدي الحسين بن منصور الحلاج ، جعل هو يكتب بدمه على الأرض : لا إله إلا الله.
٤٥ ، ٤٧ ـ (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧))
[الزخرف : ٤٥ ، ٤٧]
الرحمن الرحمانية الجامعة التي هي صورة الأسماء الحسنى جميعا ، والأسماء هي حقائق صور الوجود جميعا ، فللآية لطيفة ، وذلك بردها كل ما عرف في الأرض من آلهة ، ومن عبادة هذه الآلهة إلى الرحمن وحده صاحب الصور.
فللصورة صوت وإلهام ، وإلا لما عبدت ، ولما اجتذب إليها عابدوها ولما كان صوت الإلهام من صفات الرحمن كان الانجذاب الحق إلى الفعل الحقاني وحده ، ومن إدراك هذه الحقيقة قالت الصوفية لا معبود إلا الله وإن عبدت الصور والأصنام.
٤٨ ، ٥٠ ـ (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠))
[الزخرف : ٤٨ ، ٥٠]
لا آية على الحقيقة أكبر من العقل ، فبالعقل وحده تميز الإنسان عن سائر المخلوقات ، وبالعقل وحده صار مليكا في الأرض يفعل فيها ما يشاء ، ثم استطاع أن يبلغ القمر