والكواكب ، ومع هذا فالإنسان جاحد ، ولقد تحدثنا عن آلية التفكير ، وأوردنا قول الماديين إن التفكير نتيجة نشاط الدماغ ، ثم واجهنا هؤلاء بالإرادة الحرة التي تميز الإنسان أيضا عن الحيوان ، وبالتأمل في عالم الفكر ، وبالتفكير في خلق السموات والأرض يكشف الإنسان عن الوجود الإلهي الذي لا يخلو منه وجود ، ومع هذا فما أكثر الكافرين الجاحدين المنكرين الله ووجوده وفعله في السموات والأرض.
٥١ ، ٥٢ ـ (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢))
[الزخرف : ٥١ ، ٥٢]
الإشارة إلى دعوى الإنسان ملكية نفسه وعلومه ، وما أكثر المدعين ، والله نبه على أن الإنسان أتاه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، فمن العدم جاء الإنسان ، ثم كان ، ثم عتا وطغى وقال أنا وأنا ، والمسلمون درجات أعلاها المكاشفة ، وفيها يكشف المكاشف أين الله ، وما معنى قوله : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).
٥٣ ، ٥٤ ـ (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤))
[الزخرف : ٥٣ ، ٥٤]
يريد الكافرون أن يروا الملائكة عيانا وهذا مستحيل ، فالملك معقول والمعقول شفاف لطيف ، وهو ممثل اسم الله الباطن ، وعلى هذا فالملائكة لا تفارق الإنسان ، وهم معه ، مثلما أن الله معه ، لكن الإنسان غافل عن رؤية الملائكة النوارنيين جند الله الفعالين الحافظين في سموات العقول وأرض الأبدان.
٥٥ ، ٥٩ ـ (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩))
[الزخرف : ٥٥ ، ٥٩]
كل من لا يعرف الله ، ولا يعلم ما هو وأين هو علم اليقين فهو من المغرقين ، فالقصد شق حجاب النفس أولا ، ثم شق حجاب المعقول ثانيا ، ثم شق حجاب التضاد ثالثا ، وأخيرا شق حجاب الروح فإذا الإنسان أمام الواحد القهار ، ومن لم يدرب هذه الدرب فهو غريق في بحر المادة لا محالة ، وقيل إن من لم يعرف الله في الدنيا لا يعرفه في الآخرة ، ونضيف إن من لم يشاهده في الدنيا لن يشاهده في الآخرة.