وقال اسبينوزا : لدى الله من كل أشكال الوجود ، وما دام الخلق لله جميعا فكيف يحصر الله نوره في طبقة دون أخرى ، وفي طائفة دون الطوائف ، كما كان الهندوس يفعلون حتى جاء المهاتما غاندي وثار على الطقوس والتقاليد وأفشى المساواة بين الناس ، ولقد كان في قريش الفرسان والعظماء والأعيان من ذوي الحسب والنسب مثل الوليد بن المغيرة وأبي سفيان. وقالت قريش لو أن القرآن نزل على الوليد بن المغيرة مثلا لكان أجدى وأدعى للهيبة ، وجهلت قريش أن لله المشرق والمغرب والفوق والتحت والغنى والفقر ، ولقد قال صلىاللهعليهوسلم في هذا الصدد : «ربّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره» ، وقال سبحانه معاتبا رسوله : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠)).
٣٣ ، ٣٥ ـ (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥))
[الزخرف : ٣٣ ، ٣٥]
ما دام لله الأسماء والصفات والأمر جميعا فلا يهمه إن كفر الكافر وأنكر ولكن الله وضع للوجود ميزانا يقيم الوزن بالقسط ، ومن ذلك تقسيم الخيرات التي قسمها بين الناس ، فكافر غني ، ومؤمن فقير ، ومؤمن غني وكافر فقير ، وحاكم طاغية ومحكوم مستضعف ، وحاكم رقيق القلب عادل ومحكوم قاسي الفؤاد جبار ، فالأمر مقسوم بين الناس بقسط كوني ليرتفع بنيان الوجود على هذا الأساس.
والله سبحانه القائل فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ، فلو جعل الله الغنى والقوة والبطش للكفار من دون المؤمنين لكفرت المؤمنون أو لانهزموا ، والله يذكر بأن له الأمر والمشيئة والفعل ، ولو لا ميزان الوجود الموضوع لما جعل الله لمن جعل من الكافرين مالا ممدودا وبنين شهودا ومهد له تمهيدا ، ولكن الله جعل أيضا الأيام متداولة بين الناس ، ولله الحكمة والقصد.
٣٦ ، ٤٢ ـ (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢))
[الزخرف : ٣٦ ، ٤٢]