٢٣ ، ٢٤ ـ (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤))
[الزخرف : ٢٣ ، ٢٤]
تحذر الآيتان مما يسمى الدين التقليدي ، وهو ما يتوارثه الأبناء عن الآباء ، فأتباع الدين التقليدي يقلدون ما وجدوا عليه آباءهم أو وجدوهم على أمة أي على ملة ، والمطلوب النظر في ما خلق الآباء ، هل هو حق يتبع أم ثمة ما هو أهدى منه وأجدى؟ والعقل يقتضي النظر في الدين التقليدي الذي هو دين الآباء والنظر في دين التحقيق الذي يبين الجادة ويهدي لما هو حق ، وأتباع الدين التقليدي موجودون في كل زمان ومكان ، فإلى يومنا هذا ما تزال الكثرة الكاثرة من الناس يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم ، والإنسان الذي أوتي نور العقل والتفكير في خلق السموات والأرض ، وفتح باب قلبه كما قال رسول الله ، يقارن ويميز ويعرف الفارق بين دين التقليد ودين التحقيق ، ويحذر بالتالي التعصب الذي هو داء وبيل يصيب أصحاب الدين التقليدي.
فالإنسان يفكر ويميز ويحلل وهذا وضعه العادي ، حتى إذا جوبه بأمر يتعلق بالدين التقليدي جعل أصابعه في أذنيه ، واستغشى ثيابه ، وأصر على أن دين آبائه هو الحق ، وتكون النتيجة وجود الفرق والطوائف والمذاهب التي يحارب بعضها بعضا ، ويكذب بعضها بعضا.
٢٥ ، ٣٠ ـ (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠))
[الزخرف : ٢٥ ، ٣٠]
ضرب الله مثلا إبراهيم وموقفه من دين أبيه وقومه الذين كانوا يعبدون الأصنام ، فإبراهيم نظر في النجوم وفي الشمس والقمر ، ثم نظر في أصنام قومه ، فخرج على كل هذه الصور ، وفر إلى ربه مستغيثا ، فاستجاب له ربه وهداه ، وجعل الهدى في ذريته إلى يوم القيامة.
٣١ ، ٣٢ ـ (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢))
[الزخرف : ٣١ ، ٣٢]
يختص الله برحمته من يشاء من عباده ، ولا يحصر نور الهدى والنبوة في حسب أو نسب أو غنى أو جاه ، سبحانه هو القائل (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ...) فالترتيب الهرمي الوجودي اقتضى وجود الغنى والفقر ، والرئيس والمرؤوس ، والقوي والضعيف والمعافى والسقيم ،