وجلاله ، ولما كانت المعقولات قد سميت إناثا في القرآن ، وفي لسان الأقدمين ، وجعلوا هذه الإناث لله ، فلقد أنكرت الآية أن تكون المعقولات أو الإناث جزآ من الله ، فالله كان أولا بمعنى الكينونة الدائمة التي لا بداية لها ولا نهاية ، ثم صدرت صفاته عنه ثانيا.
١٦ ، ١٨ ـ (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨))
[الزخرف : ١٦ ، ١٨]
الاستمرار في الإنكار على موقف الكفار والمشركين من الإناث والأنوثة ، فالعرب كانت تخاف إنجاب الأنثى لأسباب منها ما كان ينجم عن غزو القبائل لبعضها بعضا من سبي يعامل معاملة الإماء ويباع ويشرى ، فالأنوثة كانت مظلومة في الجاهلية ، ثم جعلوا هذه الأنوثة لله لما قالوا إن الملائكة إناث ، واصطفوا هم لأنفسهم الذكور ، وكنا بينا دور الأنوثة في العالم ، وكيف أن العالم المادي كله أنوثة منفعلة عن الروح قابلة لورود أنواره ، ولهذا نرى شعراء الصوفية الكبار ضربوا مثلا للألوهية الأنوثة ، فسموا الذات الإلهية أسماء أنثوية مثل ليلى وسعاد ، وذلك تنبيها على عظمة الأنوثة وكونها الوجه الآخر للألوهية ، ومن إدراكه صلىاللهعليهوسلم دور الأنوثة في العالم قال : «حبب إليّ من دنياكم النساء» ، كما تزوج بتسع نساء ، وكان يخطب المرأة لجمالها أو لحسبها ونسبها ، والرسول القائل في النساء : «رفقا بالقوارير».
فالكشف العرفاني يقتضي رفع الأنوثة إلى مستوى الألوهية لاخفض الألوهية إلى مستوى نظرة العرب القدامى للأنوثة وقد عدوها خزيا وعارا ، ولهذا قال اسبينوزا : لقد رفعت الطبيعة ـ والطبيعة رمز الأنوثة ـ إلى مستوى الله ، ولم أهبط بالله إلى مستوى الطبيعة.
١٩ ، ٢٢ ـ (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢))
[الزخرف : ١٩ ، ٢٢]
تحدثنا عن دور الملائكة المعقولات الفاعل ، فالمعقول وهو الصفة يقتضي نشره ، وأصل المعقول الله ، والله خلق الملائكة النوارنين لتحقيق هذا الانتشار ، فالملك فاعل في سموات المعقولات ، وفي أرض البدن ، ولهذا كان أصحاب النار ملائكة أيضا كما قيل في موضع آخر في القرآن ، ومن يقل إن الملائكة إناث كافر بالملائكة ورب الملائكة ، ومن يقل إنهم إناث هو من أصحاب النار والحجاب ، ذلك أن جزاء من جعل الفاعل منفعلا بقاؤه بعيدا عن الحقيقة ، والبعد حجاب ، والحجاب النار.