١٣ ـ (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣))
[الزخرف : ١٣]
قوله : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) إشارة إلى ظهور الإنسان نفسه بجسمه وهو عليه محمول ، ولقد فصلنا الكلام في هذا الاستواء الإنساني على الجسم المادي في كتابينا الإنسان الكامل والإنسان الكبير معتمدين حقائق نفسيه وفيزيولوجية استنبطناها بعملية استبطان ذاتية لا سبيل إلى نكرانها ، مما يثبت أن الإنسان ليس جسده ، وأن جسده دابة معارة له ، عليها استوى.
١٤ ـ (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤))
[الزخرف : ١٤]
الانقلاب إلى الله الانصراف إليه ، وهي نتيجة مترتبة على انفكاك الإنسان عن العالم المادي ولحوقه بالعالم الروحاني ، والعالم الروحاني هو الربوبية التي تقتضي الرب والمربوبين ، فيكون الإنسان جزآ من هذا البحر الكلي العظيم ، وجزآ متعينا متشخصا مكلفا بحمل الأمانة التي هي إظهار الصفات الإلهية نفسها ، فالإنسان مطية الله مثلما أن جسده مطية له ، فهو بين بين ، بين العالم الحسي والعالم الروحي جسر معلق منصوب ، ولهذا قيل إن الإنسان وجود بين عدمين ، قال الإمام إبراهيم الدسوقي : من لم ينخلع من طوره ، ويخرج عن نفسه ، ويأتي هو بلا هو ، لا يجد عند ذلك هو ، وأنشد الحلاج :
هيكليّ الجسم نوريّ الصميم |
|
صمديّ الروح ديان عليم |
عاد بالروح إلى أربابها |
|
فبقي الهيكل في الترب رميم |
١٥ ـ (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥))
[الزخرف : ١٥]
لا أجزاء مع الله ، لأن هذه الأجزاء عين تعين الكلي ، فهي بمثابة إطار حسي لهذا النور ، وفي عالم الذرة بينت العلماء أن الجسيمات الدقيقة التي تتكون منها الذرة تكون تارة جسيمات وطورا موجات ، فهي إذن وسط وسيط بين عالمي المادة والروح ، وقال بعض العلماء إن الموجات قد لا يكون لها وجود مادي على الإطلاق ، وإنها ذات أصل عقلي خالص ، وإن للموجات والجسيمات معادلات عقلية علمية تكتشفها العلماء ، وسخروها في سبيل معرفة أسرار عالم الفضاء ، فالجزء إذن نور من نور ، أو نور على نور ، أو كما قال السهروردي نور مضاف ونور معار ، ولهذا قالت الفلاسفة إن عالم الحس والمادة ممكن في ذاته ، واجب بغيره ، وإن عالم الروح وحده ، أو الجوهر ، هو الواجب بذاته.
فالجزئي مستند إلى الكلي بما في ذلك أنوار المعقولات نفسها ، حيث أصرت الأشاعرة على القول إن صفات الله وأسماءه لا هي هو ولا هي سواه إمعانا في تنزيهه عما لا يليق بكماله