عبدت الله منذ القدم ، وما دخل التحريف في توحيدها إلا بسبب عبث المحرفين ، وما عبدت العرب هذه الآلهة الرمزية إلا من قبيل عبادة الصور التي نبهنا على خطورة الدور الذي لعبته هذه العبادة عبر التاريخ.
١٠ ، ١٢ ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢))
[الزخرف : ١٠ ، ١٢]
وصفت الأرض بأنها مهد ، أي كمهد الصبي ، وذلك لأن الأرض تحتوي الروح والنفس ، والمهد يحتوي الصبي ، وفي هذا الهيكل ثمة الحقيقة الإلهية مودعة ومحجوبة بحجب الأسماء والصفات ، والمطلوب من الإنسان أن يتعرف ربه من خلال تعرفه العالم الخارجي أولا ، وتعرفه نفسه ثانيا ، فإن الله لمحجوب بحجبه النورانية إلى أن يحين وقت التجلي ، قال الإمام أبو علي أحمد الروذباري : كيف تشهده الأشياء وبه فنيت بذواتها عن ذواتها ، أم كيف غابت الأشياء عنه وبه ظهرت بصفاتها ، فسبحان من لا يشهده شيء ، ولا يغيب عنه شيء ، وقال الحسين بن منصور : حجبهم بالاسم فعاشوا ولو أبرز لهم علوم القدرة لطاشوا ، ولو كشف لهم عن الحقيقة لماتوا.
ولقد سبق أن وصفنا الصورة الوجودية الجامعة التي يكون الخلق إطارها والله ألوانها وذاتها ، فالألوان هي الأزواج التي خلقها الله معقولات لطيفة توارت بالحجاب الحسي ليظهرها من ثم الحس بعد أن يلطف ويشف ، ولهذا كان المطلب الإلهي من الإنسان أن يشق حجبه الكثيفة وصولا إلى المعقولات الشفافة المودعة فيه.
والفلك الهيكل الحامل لأزواج المعقولات ، ولهذا قلنا إن أرسطو أصاب لما أنزل مثل معلمه أفلاطون من السماء إلى الأرض وربطها بالمادة ، وقال أن لافصال بين الصورة والمادة ، فلا فلك بلا أزواج من المعقولات فيه ، وما خلق الله الفلك ، وجعله يعوم في بحر الهيولى إلا لتعوم به بالتالي أزواج المعقولات نفسها.
والأنعام الأجسام الجزئية الحيوانية الحاملة للصور والهوية ، ولهذا كانت الأنعام مثل الفلك الحامل للصور ، فالأمر ظاهر باطن ، وظاهره العالم الحسي وهو بمثابة الجسم الكلي ، أو قل الحيوان الكبير ، وباطنه العالم المعقول وهو بمثابة الروح الكلي الذي هو حكمة الله وقدرته وقانونه.