وأنثى منفعلة ، أو على مستوى الجمع يكون الوجود ذكرانا وإناثا ولله الفعل والأمر .. وهذا ما عبرت عنه الآية الخمسون القائلة : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ) أي الله (ذُكْراناً وَإِناثاً) فالعملية متداخلة مترابطة لا انفصال بين حلقاتها ولا تفكك.
٥١ ، ٥٣ ـ (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣))
[الشورى : ٥١ ، ٥٣]
توضح الآيات كيفية تنفيذ عملية التزاوج والتوالد بين الذكور والإناث علما أن الله هو الفاعل ، ويتحقق الفعل عن طريق التكليم ، والتكليم مقام موسوي ، كشف فيه لموسى عليهالسلام مصدر الحوار الذاتي نفسه فإذا الإنسان أمام الله بلا معية ، وإذا هو فان أمام هذا الظهور النوراني الفعال ، ولهذا كانت حقيقة المقام الموسوي أنه لم يكلم الله إلا الله ، لأن من نتائج الكشف الموسوي فناء الخاطر الإنساني وبقاء الخاطر بل الخواطر الإلهية التي اتخذت من القلب ميدانا لنشاطها الذاتي.
والمكالمة وصفت بصفات ، منها أن الله يكلم بالوحي ، والوحي الصوت الخفي ، ومنها أن الله يكلم من وراء حجاب ، والحجاب هو الأنية الإنسانية نفسها حيث يظن الإنسان أنه يكلم نفسه بنفسه ، وأنه ليس ثمت إلا نفسه ، في حين أن الله خالق النفس وملهمها فجورها وتقواها ، ومنها أن الله يرسل رسولا يوحي ، والرسول الصفة التي سميناها المعقول ، فيكون الإنسان عاقلا يستمع ما يقوله المعقول له وينفذ أوامره طوعا أو كرها ، وعليه فالآيات تكشف بطنان الهوية الأحدية والعين الإلهية ومركز إشعاع الدائرة الأسمائية التي هي الوجود الحق؟ وما عداها ليس إلا النسب والإضافات القائمات بها ، وما الفناء الذي تحدثت عنه الصوفية سوى رفع الحجاب بين الإنسان والله ، فإذا لله الأمر والفعل ، وله الأمر من قبل ومن بعد ، وإذا هو وحده المستوي على عرش القلب بلا شريك ، وإذا الإنسان مجرد لاقط حسي للكلام الإلهي الذي يوجهه للتصرف في ملكي السموات والأرض ، ويعقب الفناء فناء ثان ، وفيه يفنى الجزئي في بحر الكلي ، فإذا الإنسان مجرد صورة إلهية باعتبار الله هو المطلق ، وباعتبار الإنسان المقيد بإطار الزمان والمكان ، ثم يعقب هذا فناء ثالث وأخير ، وفيه لا يبقى من الإنسان سوى آلة هي الدماغ ، فيه مركز الوعي الحسي ، وهو حاسوب يستقبل المعلومات ويحفظها ثم يبرزها حين الطلب ، والحاسوب لله وبالله.