الذي يجعل المولود ذكرا أو أنثى ، ولكم حاولوا التدخل لكشف هذا السر والسيطرة عليه والتحكم فيه ، والملاحظ أن ثمت نسبة بين الذكور والإناث في المواليد ، وأنها تقارب الخمسين في المائة لكل منهما ، ولوحظ أن هذه النسبة تتغير في الحروب وعقب الحروب ، وما ينجم عنها من نقص في عدد الذكور ، حيث تعود النسبة لتقيم الوزن بالقسط وتعيد النظام إلى المواليد ، ولئن ألقيت نظرة على الأزواج في العالم لكان العجب ، فوالدان يلدان ذكورا فقط ، ووالدان يلدان إناثا فقط ، ووالدان يلدان نسبة كبيرة من الذكور ونسبة صغيرة من الإناث أو العكس ، ولطالما تساءلت الناس لو أن والدي الإناث ولدا ذكورا وإناثا ، ووالدي الذكور ولدا إناثا وذكورا أيضا فأي خلل يمكن أن ينجم عن هذا التوالد؟ ولماذا لا يلد والدا الذكور إلا ذكورا ، ولماذا لا يلد والدا الإناث إلا إناثا؟
والحقيقة أن الحق له الحق وحده في أن يهب من يشاء ذكورا ، ويهب من يشاء إناثا ، ويجعل من يشاء عقيما ، فالحق صاحب الأمر والفعل ، وهو وحده صاحب المعادلات العلمية الكيمائية التي تقتضي ما يقع في مسرح الواقع ، وقيل إنه لم يعرف حتى الآن إلا عشرة في المائة من أسرار التفاعلات الكيمائية التي تقع في منطقة الغابات في الكثرة الأرضية ، وعلاقة الغابات بكل ما يقع في الأرض من أحوال في الطقس والمناخ وهطول الأمطار.
فالإنسان في مجال النسل ليس له إلا تمثيل دور الوسيط في الفعل لا غير ، وهو عاجز حتما عن التدخل في قضايا وجودية خارجة عن نطاقه الجزئي البشري ، وثمت حقيقة تنجم عن هذه المسألة تجابه الطبيعيين المؤمنين بالطبيعة وبأنها هي الخالقة المدبرة ... فعلى مدى عشرات الألوف من السنين من عمر الإنسانية ظلت نسبة توالد الذكران والإناث ثابتة ، تحافظ على ذاتها ولذاتها ، والسؤال هو لو أن الطبيعة كانت المسؤولة عن هذه العملية ، والطبيعة لا عاقلة كما هو معلوم ، أفلا كان ممكنا أن يأتي زمن يقع فيه هذا الخلل طالما أن الطبيعة لا عاقلة؟ وإذا وقع هذا الخلل فما تكون النتيجة المترتبة على ذلك؟ فليتصور الإنسان ألا يلد الآباء سوى ذكور ، أو ألا يلدوا سوى إناث ، ثم فلينظر إلى ما يقع في الأرض بعد مرور خمسين عاما فقط على وقوع هذا الحدث العظيم.
أما باطن الآية ففيه الرجوع إلى المعقولات والمتعينات ، وصلة المعقولات بالتعينات ، وكنا فصلنا الكلام في كون الإنسان منفعلا قابلا وآلة هي مركبة حاملة للروح ، وأن الروح هو الفاعل ، وعلى هذا فالله يهب لمن يشاء من الناس إناثا ، وذلك لأن العالم الحسي كله بمثابة أنثى كما قلنا ، وعليه يكون الإنسان أنثى ، وتكون صفته الإلهية ذكرا تستخدمه ليضع إناثا من المتشخصات وذكرانا من المعقولات نفسها ، ويكون الوجود كله ذكرا وأنثى ، ذكرا فاعلا