ونشاطها ، وكم من مواقف للعافين جعلت الظالمين يرتدون عن ظلمهم مستغفرين وراغبين إلى الله مليك العفو الرحيم.
٤٤ ، ٤٨ ـ (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨))
[الشورى : ٤٤ ، ٤٨]
لما كان سبحانه هو المضل الهادي ، ولما كان يمارس الإضلال والهداية عن طريق إلهام الفجور والتقوى كان سبحانه هو القاهر ، إن شاء أضل ، وإن شاء هدى ، ولا راد لحكمه هذا ، فالإنسان محكوم من باطنه ، أي من قبل فكره بالذات ، والفكر لله وسماه عقلا ، به يأخذ ويعطي ويرفع ويضع ويعز ويذل ، فإذا أراد الله أن يضل عبدا حرك فكره في طريق الضلالة فضل.
وللآيات صلة أصولية بالآية السابقة التي تتحدث عن العفو ، قال عبد الكريم الجيلي : كما يجب ظهور اسمه المنعم كذلك يجب ظهور اسمه المنتقم ، وقال جلال الدين الرومي : الكافر والمؤمن كلاهما ينطق باسم الله ، لكن شقة شاسعة تفصل بينهما ، وقال سعيد الخراز الكامل لا يرى من يرسل غضبه عليه من الخلق ، وقال علي وفا : من شهد أن كل ذي نفع عين من أعيان النافع الحق ، وكل ذي ضر من أعيان الضار الحق ، فلم ير شيئا منها بالحقيقة إلا لربه الحق ، فحيثما ولى فثم وجه الله ، وقال الشاذلي : إياك أن تقف مع الخلق ، بل إنف المضار والمنافع عنهم ، لأنها ليست منهم ، واشهدها من الله فيهم ، وفر إلى الله منهم بشهود القدر الجاري عليك وعليهم ، أو لك ولهم ، ولا تخف خوفا تغفل به عن الله تعالى ، وترد القدر إليهم فتهلك ، وقال الشعراني : جاهدت الأنبياء والرسل الكفار مع علمهم بأن ما جاهدوهم لأجله بقضاء الله وقدره لأنهم خلقه ، ومع علمهم بأن الكفار ما خرجوا عن الإرادة السابقة فيهم ، إذ للرحمة حد لا تتعداه ، فالذي أمر بالرفق بالبهائم مثلا هو الذي أمر بذبحها.