حاتم طيء ما سمعنا بخبره ، ولو لا شجاعة عنترة وعفته ، وفصاحته ما علق شعره مع المعلقات ولا ضرب مثلا للحب والمروءة والرجولة ، ولقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم رجلا عاديا يتجر في مال زوجه خديجة ، فإذا هو بعد الاصطفاء قد احتل مكانة لا يدانيها مكانة إنسان آخر في التاريخ.
٣٨ ـ (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨))
[الشورى : ٣٨]
جعل الله الأمر شورى بين المسلمين علما أنه هو المريد القاهر ، ذلك أن المتشخصات الحاملة للصفات ، والتي هي الناس أجمعون ، تلتقي وتفترق وتتفق وتختلف ، فلكل تعين اسم صفته الخاصة ، فهو ينظر من خلال منظارها ، ويحكم من رؤيته بهذا المنظار ، ولهذا جعل الله الحكم شورى لكي تمارس الأسماء دورها ونشاطاتها وبالتالي أحكامها ، أما الحكم فهو لإرادة الأغلبية ، وهذا هو ما يدعونه اليوم الديمقراطية التي كان الإسلام السباق إلى تبنيها ورفع شعارها ورايتها ، ولقد عرف عن النبي أنه كان يشاور أصحابه علما أن له الوحي ، وهذا الوحي هو العليم الحكيم والأعلم من الناس أجمعين ، ولكم ارتأى النبي أمرا وارتأى غيره خلافه ، كما حدث مع عمر الذي أفتى بقتل الأسرى في حين رأى النبي فداءهم.
فالناس إن اتفقوا على أمر كان اتفاقهم هو الحكم الصحيح ، ذلك لأن الأسماء نفسها هي التي تكون قد قضت هذا الحكم بالأغلبية.
٣٩ ، ٤٣ ـ (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣))
[الشورى : ٣٩ ، ٤٣]
في الآيات موقفان من البغي أي الظلم ، الأول عزم الانتصار أي الانتقام من الظالمين ، وهو حكم بدهي وأساسه القاعدة أن العين بالعين والسن بالسن ، والإنسان مفطور على حب العدل وطلبه وإحقاقه ، وقلنا في كتابنا الإنسان الكامل إن الأطفال يحسون العدل ويطلبونه ، فالعدل فطرة فطر الله الناس عليها ، والموقف الثاني من الظلم هو العفو ، والعفو من شيم الكرام ، والعفو عند المقدرة ، والعفو صفة لأولي العزم ، وقال عليهالسلام : ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب ، فمن عفا وأصلح فأجره على الله ، وللقول لطيفة ذلك أن العاف قد انفك من أسر الصفة الداعية للإنتقام ، وقلنا إن كل صفة أسر وسجن ، فإذا عفا الإنسان أيقظ ممن عفا عنه صفات قد تكون غافية فيه لم يتح لها من قبل أن تمارس دورها