٣٢ ، ٣٥ ـ (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥))
[الشورى : ٣٢ ، ٣٥]
ظهر الآيات السفن العائمة في البحر وفق قوانين كشفتها العلماء فصنعوا البواخر على أساسها ، لقد صنع إنسان القرن العشرين بواخر من حديد تبدو حقا في البحر كالأعلام أي كالجبال.
أما بطن الآيات فهو عوم المعقولات في بحر اليهولى ، وهي تبدو كالجبال في عالم العيان ، والمعقولات ظاهرة خفية ، فالمعاني يمكن تمثلها ، ولكن لا يمكن إظهارها بغير مظاهر تحملها ، ولهذا كانت المحسوسات بالنسبة إلى المعقولات بمثابة البحر الذي يحمل الجواري كالأعلام.
والحركة هي التي تظهر المعقول ، فلو لا فعل السخاء ما استدل على صفة الكرم ولا عرفت ولا ظهرت ، وكذلك قل في الحلم والشجاعة والعفة والمروءة وأمثالها من المعقولات وحركة العالم هي المظهرة لما في بطنان العالم من صفات ، وكل هذا بأمر الله ، فلو لم يحرك الله العالم لما ظهرت الصفات ، ولو لم يلق سبحانه الدواعي في القلوب ما تحركت القلوب وحركت لفعل الخير وإظهار الصفات.
أما غرق السفن فهو بمثابة الشر الذي إن غلب غلبت الصفات وظهر الفساد في البر والبحر ، والشر آية من آياته سبحانه القائل : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) ،) فالله خلق الشر للتحريك أيضا ، فظهوره على الخير لقصد ، وظهور الخير على الشر لقصد ، والقصدان ظهور الله عزوجل علما فوق الجواري الأعلام.
٣٦ ، ٣٧ ـ (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧))
[الشورى : ٣٦ ، ٣٧]
أمر الله نبيه والمؤمنين بالصبر والصلاة والاصطبار على الصلاة ، فكل ما يؤتاه الإنسان من عالم الحس هو له لا الله ، وما يكون للإنسان من دون الله فهو مؤقت عرضي لا قيمة له ، كاللذات التي تبدو كالجوار الأعلام أيضا ، ولكن قضاء الوطر يكشف الأثر ويظهر الخبر وهو كون اللذات حسا عارضا لا قيمة له حتى وإن بذل الإنسان فيه نفسه وماله.
فلا شيء يعدل في الحياة الجواري الأعلام الإلهية التي هي الزينة الحقيقية ، وما خلد التاريخ سير العظماء إلا لأنهم تحلوا بحلي الصفات من أساور من ذهب وفضة ، ولو لا سخاء