وجودية تدخل في نطاق كل شيء حي ، وسمة التلقيح الموجب والسالب.
فكل من وصل إلى كشف هذا النقاب ومعرفة هذا السر نجا من الغرق في الطوفان الذي يأخذ الكون أجمع ، والطوفان دائم ، إذ أن المادة في حالة تحرك وتحول ، أو في حالة سيلان كما قال هيراقليطس ، وهي تتفكك ويعاد تركيبها في كل ساعة ولحظة وهنيهة ، والغارقون هم الذين ظلوا في حجاب يجهلون حقيقة المعقولات التي الله ربها بارئها ومصورها في الأرحام.
٢٩ ، ٣٢ ـ (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢))
[المؤمنون : ٢٩ ، ٣٢]
المنزل المبارك رحاب الله عزوجل بعد الفيء إليه والعثور عليه ، ففي هذا الوجود ليس ثمة من حقيقة إلا الحق ، وما عداه سراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء فإذا جاءه لم يجده شيئا ، ومن نزل في رحاب الله نزلت عليه السكينة ، ودخل في رحمة علوية إلهية تري القلب كيف أن الله خالق كل شيء وأصل كل شيء والفاعل في كل شيء ، وأنه لا إله إلا الله ، إنه منزل مبارك وصفه الإمام الغزالي قائلا :
تركت هوى ليلى ولبنى بمعزل |
|
وصرت إلى مصحوب أول منزل |
ونادتني الأكوان مهلا فهذه |
|
منازل من تهوى رويدك فانزل |
تمرست في دار الندى بعزيمة |
|
قلوب ذوي التعريف عنها بمعزل |
غزلت لهم غزلا رقيقا فلم أجد |
|
لغزلى نساجا فكسّرت مغزلي |
٣٣ ، ٣٤ ـ (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤))
[المؤمنون : ٣٣ ، ٣٤]
الآخرة آخرة الأمر أو ما تصير إليه الأمور ، وليس ثمة إلا الله في الآخرة لأنه هو الذي سمى نفسه الآخر ، فالآخرة رؤية الله والفرح بوجوده الحقاني العظيم ، ومن وجد الله كان ذا حظ عظيم ، وعثر على كنز ثمين ، فهو في هذه الديار النورانية العلوية مغبوط مسرور.
٣٥ ، ٣٦ ـ (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦))
[المؤمنون : ٣٥ ، ٣٦]
للإخراج بطن هو البعث الدائم ، وهو متعلق بتجديد الخلايا الحية كل رمشة عين ، فهذا الحي لا يحيا ، ولا يستمر حيا إلا بتجدد هذا البيت الذي يسكنه على الدوام ... حتى تركيب