فالإنسان جسر بين المعقول والمحسوس. وقوله : (وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) فيه العودة إلى الحديث عن فلك نوح الذي سبق ذكره والذي هو فلك المعقولات كما قدمنا القول .. وعليه فالإنسان حامل الاسم محمول أيضا من قبل اسمه وسميت هذه العلاقة المضايفة ، إذ يوحي الاسم إلى الإنسان فيفعل الإنسان ، ويخرج الإنسان بفعله ما يوحى إليه من اسمه فيكون بذلك قد أعان الاسم على الخروج ، فالتضايف إذن موجود بين الإنسان والمعقولات ، فهي هو ، وهو هي ، وهي وهو لا هي ولا هو بل ظهور الواحد القهار.
٢٣ ، ٢٨ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨))
[المؤمنون : ٢٣ ، ٢٨]
دعا نوح قومه إلى الانصراف من عالم الظواهر إلى من هو ظاهر بهذه المظاهر ، وظهوره سبحانه يكون بالمعقولات من صفاته ، ولهذا حملت هذه المعقولات في الفلك العائم في بحر المادة ، ففي نظرة كلية إلى هذه الخارطة الوجودية يكون الحق شمسا تشع ، والمعقولات أشعة صادرة عن هذه الشمس ، ونجد الناس تعينات هذه المعقولات وحملة لها ، فليس ثمت ما يخرج على نطاق الفلك إلا صاحب الفلك وهو الله ، وصناعة نوح للفلك وحمل الأزواج من المعقولات وأهله فهو دور الإنسان في تفكيك المعقولات التي تكون بالقوة ، فتصير على يديه بالفعل ، فآدم هنا هو صانع الفلك كما أمر نوح ، وفي هذا عودة إلى قضية كون الإنسان حاملا محمولا.
والازدواجية هي سر تفتيق الصفات لأن في الازدواجية انشطارا وتناقضا ، وبالانشطار والتضاد يتم فقس بيض المعقول ، وفي عالم الذرة لو لا وجود الكهارب الموجبة الجاذبة والكهارب السالبة المنحذبة لما تم تركيب الذرة ثم تركيب العناصر ، وفي عوالم الجسيمات التي تتكون منها الأشعة ثبت أن لكل جسيم جسيما مضادا ، وما من شيء في هذا الوجود من غاز وسائل وتراب إلا وهو مركب من هذا التزاوج من السلب والإيجاب. ففي فلك المعقولات ليس ثمة إلا التزاوج التي يتحقق وجودها بالتجاذب تارة والتنافر طورا ، والتلقيح عملية