٢٨ ـ (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨))
[الشورى : ٢٨]
الغيث إشارة إلى نور التوحيد ، وهو نور زائد على نور الإيمان ، وهو اليقين الذي قال فيه عليهالسلام : تعلموا اليقين فإني أتعلمه ، فالغيث إحياء القلوب الواقفة بباب الله ترجوا رحمته ، ورحمته الدخول في الصالحين ، والقنوط المذكور ناجم عن طول الوقوف بالباب ، فالمسلمون واقفون بباب الإيمان كما قال سبحانه : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ،) والمؤمنون واقفون بباب الإحسان كما قال سبحانه : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩) ،) والمحسنون واقفون بباب التوحيد كما قال سبحانه : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) ،) وباب التوحيد هو الباب الأعظم ، وفتحه يؤدي إلى معرفة اسم الله الأعظم ، وأصحابه هم ورثة رسول الله وورثة الأنبياء أجمعين.
٢٩ ـ (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩))
[الشورى : ٢٩]
سبق أن تحدثنا عن فعل الجمع الإلهي للجمع الوجودي والمسمى يوم التغابن ، فقوله سبحانه إذا يشاء لا يفيد معنى المستقبل فحسب بل الحاضر الدائم وكل آن ، وهذا معنى كون الجميع في القبضة ، مؤمنين وكافرين ، مسلمين ونصارى ويهود وعبدة الأوثان والكواكب والنار ، فالملك ملكه ، والناس عبيده ، وهو الذي فرقهم شيعا ، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة ، ولو شاء لهداهم أجمعين.
٣٠ ، ٣١ ـ (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١))
[الشورى : ٣٠ ، ٣١]
ما يقع في العالم وللإنسان من أحداث فهو في كتاب من قبل خلق العالم والإنسان ، والأنبياء أوتوا كشف المستقبل بالاطلاع على ما سطر في اللوح المحفوظ ، وعلى هذا الأساس كان النبي يتنبأ بما سيقع في المستقبل ، كما قال لعمار بن ياسر : تقتلك الفئة الباغية ، أما المصيبة الناجمة عن كسب الأيدي فهي من نتاج فعل الصفة ، فكأنها نهاية طريق ما يمشيها الإنسان من نقطة أإلى نقطة ب.