١٩ ـ (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩))
[المؤمنون : ١٩]
قوله : (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ) يعني ماء العلم الإلهي ، وفي هذا عودة إلى الحديث عن الأفكار القبلية التي قال بها كانط والمقولات الكلية التي قال بها هيغل ، والمفاهيم الأزلية التي قال بها لا يبنتز ، وهي جميعا الأسماء الحسنى التي هي لله ، فمن هذا الحوض تفجرت ينابيع العلم ، فلو لا هذه الكليات المنقوشة في قلب الإنسان ما استوى الإنسان عالما ... وإلى هذا أشارت الآية بحصالة هذه العلوم ضاربة مثلا جنات من نخيل وأعناب وفواكه.
٢٠ ـ (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠))
[المؤمنون : ٢٠]
الإشارة إلى علم الحقيقة الذي هو العلم اللدني ، وهو ما خص به الله الأنبياء والورثة العلماء ، ورفع هذا العلم درجات فوق العلوم المعروفة ، إذ جعله الله هبة إلهية لآحاد أفراد أعلام من الأنبياء والصوفية العارفين ، فأتوا بالشرائع والتأويل والاستنباط من أم الكتاب ، وشبه هذا العلم ، شجرة تخرج من طور سيناء ، والإشارة إلى النداء الذي وجه إلى موسى إذ وصل الوادي المقدس طوى ، حيث كلمه الله واصطفاه واجتباه وعلمه وخصه بالرسالة.
والصبغ هو الزيت وهو الدهن ، وقوله : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) يعني أن هذه الشجرة العلمية الإلهية لا تنبت إلا بالأمر الإلهي والإذن الإلهي والعناية الإلهية ، ولهذا كان الله ولي العلماء الإلهيين ومرشدهم في ظلمات البر والبحر.
٢١ ـ (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١))
[المؤمنون : ٢١]
الإشارة إلى الجسم الحيواني مركب المعقولات الإلهية وفلكها ، ولولاه ما ظهرت ولا مارست قواها ، وهذا الجسم ذو نظام ما تزال العلماء حتى يومنا هذا تكتشف أبعاده ودقائقه وعجائبه.
والسقي من بطون الأنعام السقي من الجسم نفسه ، ففي هذا الحيوان سر الحياة وهو العلم الذي استودعه ، والسقي اللبن ، وأول رسول الله اللبن بالعلم ، فكل إنسان يحمل علمه فيه ، وعلمه في اسمه ، واسمه صفة بحاجة إلى موصوف ، فالعملية داخلة خارجة ، ظاهرة باطنة ، فيكون عالم العيان بمثابة عالم الأنعام ، وعالم الأعيان الثابتة أو المعقولات هو العالم الإلهي ، وعليه لا يكون في الكون إلا الله.
٢٢ ـ (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢))
[المؤمنون : ٢٢]
الإنسان حامل محمول ، حامل الاسم من جهة ، محمول على جسمه من جهة أخرى ،