٣٦ ـ (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦))
[فصلت : ٣٦]
الخطاب موجه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولقد أوردنا حديثه عن قرين الإنسان من الجن ، ولقد سئل حين قال هذا الحديث : حتى أنت يا رسول الله؟ قال : حتى أنا ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ، فدور الشيطان محدود ، وهو من الكلمات التي لا يمكن تبديلها ، لأنها إن بدلت اختل توازن الأسماء ، وفسد دورها ، وفسد بالتالي الوجود ، وانهار بناؤه.
وما قيل للنبي هو من قبيل التحذير ، وإلا فالنبي مطلع على سر القدر في إبليس ، فهو كاشف إبليس ، وليس لإبليس ووسوسته عليه سلطان وتأثير ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «إلا أن الله أعانني عليه فأسلم» ، فبالعلم فقط ينتصر الإنسان على الوسوسة ، وأي علم؟ العلم الذوقي العرفاني الإلهي الذي يطلع المكاشف على سر الوسوسة التي هي شطر من الإلهام ، فيكون التضاد من الحقيقة وعين الحقيقة ، أو كما قلنا : لا حقيقة ولا ظهور لها إلا بالتضاد ، وإبليس هو المكلف بإظهار التضاد ، فإذا ظهر العارف على سر التضاد ظهر على إبليس ، فسواء حدثت نفس العارف الأمارة قلبه بالوسوسة أم لا فهو في أمان وراحة ، بل إنه ليستمد من هذه الوسوسة علما بنفوس الناس ، وكان رسول الله عليما بالمنافقين ونفوسهم ، قال إبن عربي في الأديب : الأديب هو الجامع لمكارم الأخلاق والعليم بسفسافها لا يتصف بها ، بل هو جامع لمراتب العلوم محمودها ومذمومها ، لأنه ما من شيء ، إلا والعلم به أولى من الجهل به عند كل عاقل.
٣٧ ـ (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧))
[فصلت : ٣٧]
سبق أن أوردنا قول الغزالي في الشمس والقمر والكواكب الذين رآهم إبراهيم إنها ليست هذه المرئيات ، فللقول دلالة وإشارة ، ولقد حدثت عائشة عن النبي الذي أشار إلى القمر ذات ليلة قائلا : إستعيذي بالله من هذا ، فإنه الغاسق إذا وقب ، وبدهي أن النبي لا يستعيذ بالله من قمر السماء بل من قمر النفس الحاجب عن الله الذي أشار إليه بأنه الغاسق إذا وقب ، أي الظلام إذا اشتد.
فالمراد الإلهي أن على الإنسان أن يتجاوز شمس ذاته وقمر نفسه وليل ونهار حواسه الباطنة والظاهرة ، وأن يسجد لله خالق الذات والنفس والحواس.
٣٨ ـ (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨))
[فصلت : ٣٨]
مهما أتى الإنسان من كفر وعصيان وجحود واستكبار فإن من فوقه ملائكة يسجدون لله دائبين لا يفترون ، فليس في الوجود إلا التسبيح الذي هو سجود الأجزاء للواحد الكلي.