الوجود ، وقوام الذرات ، وقوام السديم اللطيف القديم ، وقوام جزئيات الأشعة الضوئية المنبثة في الوجود والمسماة في العلم الحديث النيوترون .. والذي ذكرناه جميعا هو المسمى في الآية اليوم الثاني ، ولهذا قالت المفسرون إنه الاثنين ، والاثنين يلي الأحد.
والحقيقة لا فصل ولا وصل ، فأرجع البصر في هذا الوجود تر الظاهر باطنا ذرات كما هو معلوم لدى علماء الذرة ، وإذا حللت الذرات وجدتها أشعة لا غير ، وقالت العلماء إن قوام هذه الأشعة ضوء لطيف لا تراه العين ، وتلتقطه العلماء بواسطة عدسات حساسة موضوعة تحت الأرض ، وقال أدينغتون : مادة العالم كله عقلية ، والعقل لله عزوجل.
١٠ ـ (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠))
[فصلت : ١٠]
فوق العالم الحسي ثمت عالم البرزخ ، وهو عالم المعقولات الصرفة كنيت في الآية الرواسي أي الجبال ، ولقد تحدثنا سابقا عن دور المعقول ، وكونه أساس المحسوس ، ولهذا كانت المعقولات للإنسان بل لعالم العيان بمثابة الجبال للأرض ، ولهذا ذهب أفلاطون في عالم مثله حتى قال إن للحيوان حيوانا مثاليا ، وكذلك للنبات ، وإلا لما كان الحصان حصانا له صفاته وهيكله وخصائص تركيبه ، بل إن علماء الحيوان يقولون إن لكل نوع من أنواع الحيوانات نفسية خاصة ، ولكل فرد من أفراد نوع الحيوان نفسيته أيضا ، فتجد فرسا طيعة ذليلة سهلة القياد ، وتجد أخرى صعبة حرونا صعبة الركوب ، وتجد هرا أليفا وآخر غير أليف يحاذر الناس ، فسبحان من جعل لكل ظاهر باطنا ولكل نفس كتابا معينا علميا يفصل الأمر سابقا طبقا لعلم موزون.
١١ ـ (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١))
[فصلت : ١١]
قال ابن عربي : الدخان إشارة إلى الأصل ، فإذا كان سبحانه قد خلق من الماء كل شيء حي فإنه خلق الماء من الدخان السماوي الذي هو مادة العالم الأولى ، والملاحظ في الآية أن السماء وصفت بأنها دخان ، وقلنا السماء محل المعقولات ، فيكون الدخان محل المعقولات أيضا ، ولهذا لا يكون الدخان دخانا حسيا بل دخان معقول لطيف ، أو كما قلنا في التفسير العلمي إنه المادة العقلية الأولى للعالم.
وقوله سبحانه : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) يعني أن الوجود العقلي والعياني له سبحانه ، له الملك في الدارين ، حاشاه أن يكون له شريك في الملك ، وفي قوله طوعا أو كرها نكتة ، ذلك أن المعقول يعي بطبيعته ذاته ، كما يعي الإنسان ذاته أو أناه ، ويشعر أنه حر