تحدثنا من قبل عن مدلول اسمه سبحانه الحي ، وهو أعظم أسمائه بعد اسم الجلالة ، وأعظم شأنا وأقوى فعلا وأثرا ، فانزع اسم الحي من الحياة تندثر الحياة ، ويعود الوجود ذرا ثم سديما ثم طاقة لطيفة كما كان ، ولهذا تبع قوله هو الحي قوله لا إله إلا هو ، وفصلت الصوفية الكلام في هذا المجال فردوا الصور كلها إليه ، ومنها صور المعبودات كائنة ما كانت ، فكل صورة من صوره ، والشرك هو فصل الصور عن المصور بما في ذلك صورة الإنسان ، فيكون الإنسان قد جحد وأنكر وجعل لله شريكا في الملك.
٦٧ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧))
[غافر : ٦٧]
قصة الخلق ظاهرة باطنة ، داخلة خارجة ، مثلها مثل لولب يتحرك تحسب أوله قد تحرك وصعد حتى صار إلى أعلى ، ثم يتبين لك أن حركة اللولب دائمة غير صائرة إلى نهاية ، ولهذا كان الخلق دائما وكان الإنسان الجزئي جزآ من هذه الدورة الوجودية الدائمة وقوله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ ،) له لطيفة ، فلقد تحدثنا عن موت العارفين العلمي المعنوي ، وقال صلىاللهعليهوسلم في الصديق رضي الله عنه : (من أراد أن ينظر ميتا يمشي على الأرض فلينظر أبا بكر) ، فالتوفي القبلي خاص بالأمة المحمدية أكابر الناس المحققين الذين يتوفاهم الله وهم أحياء يرزقون ، ثم يحييهم إحياء علميا معنويا فإذا الشيخ العارف إنسان كامل مثّل نور النبي القديم فكان هدى ورحمة للعالمين.
٦٨ ، ٧٠ ـ (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠))
[غافر : ٦٨ ، ٧٠]
القضاء المعادلة العلمية التي تسبق التنفيذ ، ومثله مثل علماء الذرة الذين علموا قوانين الذرة ثم جعلوا يحققون ما علموا في مفاعل ذري ، فالوجود هو المفاعل الذري الإلهي الذي يكون العلم فيه بالقوة علما بالفعل ، ولهذا كان القضاء سبق العلم ، ولهذا كان محكما لا سبيل إلى تبديله ، وكيف تبدل العلماء معادلة علمية يقوم عليها صرح المفاعل الذري؟
فأحداث العالم هو ما يجري في المفاعل من أحداث ، والعلماء تراقب وتشرف على ما يجري ، ولهم الأمر من قبل ومن بعد ، وفي الفكر الإنساني بالذات يقع التفجير العلمي الذري ، فتستخرج منه كل القوى والطاقات ، فالفكر الإنساني التفجير النووي للعالم ، وبه استوى الله على عرش الوجود.