يستطع حتى الآن أن يكتشف كيف تنبه الأنا الدماغ ، ولا كيف ينبه الذماغ الأعصاب ، ولا كيف تنقل الأعصاب أوامر الأنا ثم الدماغ إلى الحواس ، وسيظل الإنسان أحجية تتحدى العلم قديما وحديثا ، إلى أن يقع العلماء للحقيقة ساجدين ، مقرين بأن وراء هذا العالم قوة خفية مهيمنة حكيمة علمية تأمر وتحرك وتنشط وتنيم وتوقظ وتقيم وتقعد ، وتجعل الرضيع يمص ثدي أمه ، وتجعل الوحش يحن على صغاره ويدافع عنهم ويطعمهم ويسقيهم ، وتجعل الوعلة تضحي بنفسها فتخرج إلى الذئاب من أجل إنقاذ ولدها.
٦٢ ، ٦٣ ـ (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣))
[غافر : ٦٢ ، ٦٣]
عودة إلى الحديث عن خلق الأشياء بما في ذلك الخواطر والأفعال ، ولهذا جاء في الآية أن الله خالق كل شيء ، والعالم شيء ، وكل ما في العالم شيء ، وكل ما هو موجود شيء ، والشيئية له سبحانه.
٦٤ ـ (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤))
[غافر : ٦٤]
في الآية ثلاثة أسس الأرض والسماء والصور ، وبناء الإنسان قائم على هذه الأسس ، فالأرض جسمه ، والسماء فكره وخواطره ، والصور المعقولات التي لا غنى له عنها ولا غنى لها عنه ، والله خلق الإنسان ليجمع بين الصور والمحسوسات بالفكر ، والصور التي أحسنها الله كل ما يتجه إليه الإنسان قاصدا تحقيقه من خير وشر ، وقلنا الشر جزء من الخير وتقويم له وهو ضرورة لوجوده ، والإنسان من بين المخلوقات جميعا من خص بهذا الشرف العظيم شرف ارتقاء سلم المعقولات الإلهية وصولا إلى المعرفة الإلهية ورقي الإنسان رقي في سماء المعقولات نفسها ، وما نزلت الأديان إلا لتعين أصحاب المعقولات الشريفة على العروج في سماء المعقولات ، وما فرض الله الفرائض والعبادات إلا ليسوق المؤمنين بالسلاسل إلى الجنة ، أما الكافرون فسلاسلهم أغلال هي من نوع طينتهم ، فقال ابن عربي إن عذاب الكافرين عذوبة ، والنتيجة ما ذكره الله إنه رزق الناس من الطيبات ، وشمل الكلام الناس جميعا ، وانتهى بقوله تعالى إنه رب العالمين لا يخرج عليه إنس ولا جان ، مؤمن ولا كافر.
٦٥ ، ٦٦ ـ (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦))
[غافر : ٦٥ ، ٦٦]