العذاب إشارة إلى الحجاب ، والدنيا كلها وما فيها لا تعدل جناح بعوضة من عظمة الأنوار الإلهية التي جعلت سلطان السائحين إبراهيم بن أدهم يزهد في الإمارة والسلطان ويسوح في الأرض ويقول : لو علمت الملوك ما نحن فيه من نعيم لجالدونا عليه بالسيوف.
والآية تشير إلى خسارة الإنسان الذي لا يعرف الله ، ولا يكتشف أين هو ، وأنه نور السموات والأرض ، وأن كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ، والدنيا غدارة خوانة لا حفاظ لها ولا أمان ، فالعالم كما قال هيراقليطس يسيل ، وما من لذة تدوم ، ولذة الثوب يوم وفرحة السكن في قصر أيام ، ثم يستوي بعد ذلك في الإحساس الغني والفقير ، الكبير والصغير ، الريس والعبيد ، فهذا حال الدنيا ، وهذا حكم الله فيها ، وما من خلاص من هذا الجحيم الدنيوي سوى الفرار إلى الله والفناء في أنوار الله.
٤٩ ، ٥١ ـ (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١))
[الزمر : ٤٩ ، ٥١]
الضر ظاهر وباطن ، وكشف الضر الظاهر هو بالله ولله ، ذلك أن نشاط الأسماء الإلهية التي هي الموجودات ذاتها هو بإذن منه سبحانه وبأمره ، فإذا كشف الضر عن إنسان فالله قد كشفه ، وإن كان زيد أو عمرو فعلاه ، وكشف الضر الباطن هو بالله ولله أيضا ، إذا ما دام الباطن مسرح نشاط الخواطر ، وما دامت الخواطر نشاط جند الله فإن من يكشف الضر الباطن هو الله الذي يدفع خاطرا بخاطر حتى يسكن العبد ويرتاح ، ويجهل الإنسان سر هذا النشاط الإلهي الظاهر الباطن ، ويربط الأسباب بالمسببات ، ويقول قد فعل زيد ولولاه لما تم .. وهذا صحيح ظاهرا ، لكن المحرك له والباعث عليه والداعي له هو الحق سبحانه ، ألم تر أن الغني الكريم المحسن إذا أحسن إنما يكون قد فعل ذلك بفعل داعية الكرم فيه ، والداعية اسم إلهي وصفة إلهية جعلها الله في قلوب المحسنين من عباده.
٥٢ ـ (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢))
[الزمر : ٥٢]
لو لا أن الله جعل الغني والفقير ، والرئيس والمرؤوس لما رفعت قواعد البيت العام ، فالحكمة اقتضت أن يكون زيد غنيا ، وأن يكون عمرو فقيرا ، وأن يحتاج عمرو إلى مال زيد ، وأن يحتاج زيد إلى ساعد عمرو ، وأن يكون المال والساعد عمادي الحياة.