١٥ ـ (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥))
[المؤمنون : ١٥]
الموت موت النفس الحيوانية ، وهو موت معنوي كما أسلفنا القول ، وفيه يرى الإنسان انكشاف حقيقته ، فإذا الأنا أنا كلية جامعة ، فالصوفية لا يعنون بالموت مفارقة النفس الجسد ، بل يعنون قيامها بالنور الفاعل ، وأنها شعاع منه لا انفصام لها عنه ، ولا قيام إلا به.
١٦ ـ (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦))
[المؤمنون : ١٦]
القيامة القيام بالروح ، أي إنتقال المهاجر من الحياة بأناه ، إلى الحياة بالله ، وهذه الحياة الجديدة هي الحياة الحقيقة ، إذ فيها الوصول والتأييد والإمداد والبشرى التي فسّرها صلىاللهعليهوسلم بأنها الرؤيا الصالحة في الدنيا يراها العبد الصالح أو ترى له.
١٧ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧))
[المؤمنون : ١٧]
الطرائق السموات ، والسموات إشارات إلى الحجب التي تغلف الإنسان وتعينه في الوقت نفسه ، وفسرها بعضهم على أنها صورة القوى الباطنة من فهم ووعي وإدراك وذاكرة وخيال وحس وحدس ، وكلها تخدم الإنسان بإذن من الله وتيسير ، فإذا أراد الإنسان أن يتذكر شيئا أثار تلك الحاسة فلبته ، وسبق أن قلنا إنه لم يعرف حتى الآن كيف يتم ترميز المعلومات في الدماغ ، ولا كيف تتحول المعلومات القادمة من عالم الحس إلى رموز ، ولا كيف يجعل هذه الحاسة تجيب حينا ، وطورا تتلكأ أو لا تستجيب ، ولا السبب الذي يجعل المعلومات المطبوعة في الصغر تبقى حتى الكبر في حين أن المعلومات الواردة في الكبر سرعان ما تنسى وقليلا ما تحفظ وتذكر.
كذلك إذا ورد الإنسان مورد الخيال وجد هناك دارا رحبة ، قواعدها في أرض الحس ، وسقفها في سماء المعقولات ، وهو في هذه الدار يحبر مثل طير في الغابة يطلق أغاريده وينتقل بين الأغصان ، فما تميز الإنسان عن الحيوان إلا بالخيال الذي هو حصان مجنح جمع بين المحسوس والمعقول ، والكثيف واللطيف ، والنهائي واللانهائي ، فمن كل الثمرات يجني الإنسان بواسطة حاسة الخيال التي هي قسمان ، قسم للخيال الحسي وهو صورة العالم المحسوس والانطباعات عنه وقسم للخيال الروحي وهو حضرة خيالية صرفة متصلة بالروح ، آخذة عنه ، يشع هو إشعاعاته من المعقولات الصرفة ، فيحيلها الخيال صورا لها أشباه من العالم المحسوس ، فيعرف بها الغيب ويستشف عالم الروح المجهول.
أما الحدس فهو الذي يبلغ الإنسان جنة المعلومات من المعقولات الصرفة ، تأتيه كما الطير والفراشات ، فتهبه من لدنها من غير منطق ولا برهان ، واتفقت الفلاسفة قدامى