يستطيع بلوغه كل جنس وطائفة وثقافة ... إله يمكن أن يوجد في كل مكان ، وفي
كل زمان ، بدون حاجة إلى الوساطة ، إنه الخلق نفسه ، وسيظل موجودا سواء آمن
الإنسان أم لم يؤمن.
٤٠ ، ٣٩ ـ (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ
إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ
وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠))
[الزمر : ٤٠ ،
٣٩]
كل ما في
الوجود ذو مكانة ، وهو عامل على مكانته ، وهذا ما يقتضيه نظام الوجود نفسه ، وإلا
كانت الفوضى قانون الوجود ، والوجود والفوضى لا يتفقان ، والخظاب الإلهي خطاب سابق
على الوجود لاحق ، علما أن الله لا زمان له ليكون سابقا أو لاحقا ، فالخطاب دائم
داخل في الجبروت الذي هو قوام الحياة.
والآية تقول إن
لكل إنسان مكانة ، ومكانته صفته ، وصفته قديمة قسمت له من قبل أن يكون ، فهي عليه
سابقة ، وهو بها لاحق وعليها عامل ، وكنا قد شبهنا الإنسان بالبوق في كتابنا
الإنسان الكبير ، فالإنسان البوق ينفخ الله في أوله فيصوت الإنسان في آخره ،
والناس كلهم أبواق إلهية ، وبهم تعزف الموسيقى الكونية وفق قواعد لا خروج عليها
كما لا يخرج العازفون على اللحن المكتوب في النوتة الموسيقية.
وقوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) يفيد العلم المطلق والعلم المقيد ، والعلم المطلق هو
للعارفين بالله ، انفكوا من أسر العالم فبلغوا المطلق وسمعوا موسيقاه فعرفوا فخشعت
قلوبهم لذكر الله واطمأنت ، وأما المقيد فهو المقيد بالصفة وما دام كل إنسان ممثل
صفته فالنتيجة أن الناس كلهم عالمون ، كل حسب اختصاصه وصفته ، قال سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].
٤١ ـ (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ
لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ
عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١))
[الزمر : ٤١]
ليس النبي على
أحد بوكيل ، وما النبي إلا مبلغ رسالة ربه ، وهو النذير والبشير ، وما النبي إلا
داعي الحق يدعو الناس إلى الحق ، فمن اهتدى لنفسه ، أي من نفسه وبنفسه حسبما تقتضي
الصفة ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، أي من نفسه وعلى نفسه حسبما تقتضي صفة الضلالة
نفسها ، ولهذا قالت الصوفية إن اسمه تعالى المضل لا بد له من تحقق ووجود وإلا لما
كان اسما ، فالمضل اقتضى وجود الضالين ، وأخفي الاسم في الفاتحة من قبيل الأدب.
٤٢ ـ (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ
مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا
الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ
لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢))
[الزمر : ٤٢]