أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢))
[الزمر : ٢١ ، ٢٢]
دور الإنسان في هذا العالم إخراج الصور التي تكون بالقوة ، أي مرتقة ، ثم تكون بالفعل أي مفتقة ، فالله كذات وهوية جعل هذه المرايا من النفوس الجزئية لتظهر صوره أي صفاته ، وصفاته مشتقة عنه ، وهي سماء المعاني اللطيفة ، والماء الذي سلكه الله ينابيع في الأرض هو تحميل النفوس الجزئية هذه المعاني ، ولهذا فإن مثل الإنسان في عالم العلم كمثل فرخ نسر هو في بيضته مثال نسر ثم يكون نسرا بعد أن يخرج ويكبر.
والعالم بدأ جمادا ثم نباتا ثم حيوانا ثم ظهر الإنسان ، فمن أين استفاد الإنسان علمه إن لم تكن بذور هذه العلوم موجودة فيه بالقوة كما تجعل البذور في التراب؟
والزرع المختلف الألوان هو العلوم ، بجميع أنواعها ، والله يسر كل إنسان لليسرى ، واليسرى تخصيصه بعلم يكون صاحبه ، ولقد جعل أفلاطون في جمهوريته المجتمع الإنساني طبقات مثل طبقة الحكام وطبقة الجنود ، وطبقة العمال ، ولا يستوي هذا العالم ولا يقوم ولا يدوم إلا بوجود ترتيب إلهي سابق يسمى دينيا القضاء والقدر.
فاختلاف أنواع العلوم ضرورة لبناء العالم. ثم يهيج زرع العلوم فيصفر ويذبل ويموت والإشارة إلى دور النفوس الجزئية في هذا الوجود أيضا ، ولقد ضربنا مثلا في كتابنا الإنسان الكبير العجوز الخرف الذي ربما كان عالما من العلماء فعاد جاهلا ضعيفا وكأنه ما كان يوما ذلك العالم العلامة والحبر الفهامة الذي قدم للإنسانية ما قدم كما فعل الفيلسوف كانط وكيف صار في كبره كالطفل الصغير ، فدور الإنسان حمل مشعل العلم من جيل إلى جيل ، ولو لا تعاقب الأجيال ما احتفظت الإنسانية بتاريخها ، ولنسيت العلوم التي تعلمها الأولون ، ولما استطاع الآخرون أن يحملوا المشعل الذي حمله أجدادهم الأولون ليتابعوا رحلة الحياة ، أما الإنسان نفسه فمثله مثل بذرة في الأرض تصير نبتة ثم شجرة ثم تثمر وتؤتي أكلها طيبا ثم يمسها الكبر وتضعف وتموت.
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) موجه إلى أصحاب البصائر المجلوة الذين رأوا العالم وسيرورته وصيرورته فاعتبروا ففروا إلى الله ، وما فروا إليه إلا بعد أن أن دعاهم هو واجتباهم وشرح صدورهم للإسلام ، والإسلام هو الدين العالمي الذي هو القرآن قانون الحياة ، كما قال سبحانه : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] ، فالإسلام العالمي فهم حقيقة الدين التي بها ومن خلال منظارها يعرف الإنسان من أين تبدأ الهجرة وإلى