يضاهيه في كماله وبهائه ونوره شيء من السموات والأرض ، فكيف يختار الأشرف الأقل شرفا ، والأبهى الأقل بهاء ، وكيف يجعل نور الأنوار ولدا له نورانيا كان أو حسيا؟
٥ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥))
[الزمر : ٥]
التكوير إدخال الليل في النهار ، والنهار في الليل ، والإشارة إلى كون العالم مزيجا من المعقول والمحسوس ، كما قال أرسطو عن الصورة إنها لا تنفك من المادة ، فالله ما خلق الوجود الحسي إلا ليحمله الوجود المعنوي ، والوجودان ليل ونهار يتعاقبان ، يسبحان لله دائبين لا يفتران.
٦ ـ (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦))
[الزمر : ٦]
سبق وتحدثنا عن النفس الواحدة وزوجها ، فالواحدة مشتقة من الواحد ، فهي مرآة اللامتناهي النوراني الذاتاني ، وهي الناطقة به وبأمره ، فجوهرها هو ، وهويتها هو على الحقيقة إذ لا وجود بحق سبحانه لسواه ، أما زواجها فهي النفس الحيوانية التي ضمنها سبحانه اسمه الحي ، والتي هي باطن هذه الحياة ، والتي هي صيرورة تسبح في فلك الديمومة خارجة منها عائدة إليها ، تفتق وتحمل وتضع ، وتنشئ وتقوي وتضعف ، وتغري وتهدي ، وتؤدي وتطرد ، وتقيم وتقعد ، وتنيم وتوقظ ، فسبحان من جعل النفس الحيوانية دائرة وجودية حية تظهر عظمته وسناه.
والأنعام إشارة إلى الحواس ظاهرة وباطنة ، فالحواس مخلوقة لخدمة الإنسان ، والجسم مطية مثلما أن الحيوان مطية والنبات مطية ، وكل ما في العالم المحسوس مطية ، قال صلىاللهعليهوسلم في هذه الإشارة : (إن المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى).
والظلمات الثلاث هي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمه المشيمة ، ولها دلالات ، فالبطن من الباطن ، والإنسان قادم من عالم الباطن ، وهو منه إليه ، وتربطه به صلة لا تنقطع ، وظلمة الرحم هي ظلمة النفس ، والنفس باطن أيضا ، إلا أن النفس هي التي تقوم بالتنشئة ، وهذا دور النفس الكلية الأم ، ولهذا رمز إليها بظلمة الرحم ، أما ظلمة المشيمة فهي التي تقوم بدور التغذية ، والله سبحانه القائل : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) [نوح : ١٧] ، فالنفس أيضا هي المغذية ، وهي المنبتة ، وسميت في الفلسفة النفس النباتية فالإنسان على هذا ما انفك من النفس الأم أبدا حتى بعد مولده وخروجه إلى الحياة ، ولقد درست العلماء موضوع الأفعال