من ثم سلام على آل ياسين ، وكنا فصلنا الكلام في آل ياسين ، أي أهل ياسين ، أي أهل القرآن الحكيم ، أي الموحدين الذين انتهوا إلى التوحيد بعد أن ذاقوا وكشفوا وعرفوا السر القائم على الاثنين اللذين أرسلهما الله إلى المدينة ثم عززهما بثالث.
فالموحد لا اثنان لديه بل ثالث ، وهو أساس العالم الحسي والكثرة ، وهو النفس الكلية الجامعة للروح والجسد جميعا ، فإذا صار الإنسان إلى هذا الكشف صار إلى سلام آمن ، وتحقق قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)) [الكوثر : ١ ، ٢].
١٣٣ ، ١٣٤ ـ (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤))
[الصافات : ١٣٣ ، ١٣٤]
لوط هو الذي أمره ربه بأن يسر بأهله بقطع من الليل ، ولا يلتفت ، والإشارة إلى الموحد الأكبر الذي نظر حوله فما وجد أحدا غيره ، ووجد الناس غافلين نائمين ، فسار في الليل مخلفا وراءه العير والبعير ، ميمما وجهه شطر بيت الروح ، ورب بيت الروح ، تاركا وراءه نفسه الجزئية التي لافكاك لها من العالم المادي ، ولوط هو الذي قال في مقامه البيروني : إذا وصل العارف إلى مقام المعرفة فإنه يحصل له روحان : قديمة لا يجري عليه تغيير واختلاف ، بها يعلم الغيب ، ويفعل المعجز ، وأخرى بشرية للتغير والتكوين.
فالعارف شطران ، شطر هو نفسه الترابية وهي له مطية يستخدمها لبلوغ المأمن وتحقيق القصد ، وشطر هو روحه الكلي ، خلص به من المتناهي إلى اللامتناهي ، ومن المادي إلى الروح ، ومن الجزئي إلى الكلي ، ومن الظلمات إلى النور.
١٣٥ ، ١٣٦ ـ (إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦))
[الصافات : ١٣٥ ، ١٣٦]
العجوز هي النفس الترابية ، وقلنا أن لا فكاك لها من المادة ، إذ هي الجسر بين الروح والمادة ، فالإنسان واقع في فخ النفس ، ما لم يجعل الله له نورا ينقذه ويخرجه كما أخرج الوارد الذي ورد الجب يوسف من غيابة الجب.
١٣٧ ، ١٣٨ ـ (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨))
[الصافات : ١٣٧ ، ١٣٨]
الإشارة إلى رؤية الموحد ، وهو يرى الناس بنور التوحيد ما يجعله يقول كما قال دعبل الشاعر:
ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم |
|
الله يعلم أني لم أقل فندا |
إني لأفتح عيني ثم أغمضها |
|
على كثير ولكن لا أرى أحدا |