الظاهر ، أما علم الباطن فله وجهه أيضا ، إذ ذكرت الآية أن الزيادة في العمر والنقصان هما في كتاب ، والصوفية مجمعون على أن الاصطفاء والاجتباء رهينان بالمشيئة الإلهية ، ولهذا فرقوا بين المريد والمراد ، فالأول يريد ، أي الإنسان يريد ، والثاني يراد أي الله أراد له.
١٢ ـ (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢))
[فاطر : ١٢]
البحر العذب إشارة إلى عالم العيان ، والبحر الملح الأجاج إشارة إلى عالم العين ، والعين هي الأساس ، فالبحر الملح الأجاج هو أصل هذا العالم وباطنه مثلما أن البحار والمحيطات هي مصدر مياه الأرض ولولاها ما كان ثم مصدر آخر للماء.
واللحم الطري إشارة إلى العلوم المستخرجة من البحرين ، فالله قد جعل لكل بحر سمكه من العلوم ، فمن العالم الحسي يستخرج الإنسان المعقولات نفسها ، فلو لا العالم الظاهري ما عرف الإنسان المعقول ولا صفته ، والخير وحده كتجريد لا يشاهد من دون فعل الخير ، وكذلك الجمال والعدل ، فهذه المعقولات بحاجة إلى العالم حاجة العالم إليها ، ثم يأتي دور الكشف حيث يتولى الله عبده بالتعليم ، فيكون علمه عن طريق استخدام المعقولات أيضا أي الصور.
والحلية الصفات التي يتحلى بها الإنسان لدى بلوغه اليقين أي الكمال ، والفلك التي تمخر البحر النفوس الجزئية التي هي صلة الوصل بين البحرين ، فالإنسان وحده يعيش على البر وفي البحر ، وهو وحده يتمثل المعقول ، ويتمثل له المعقول ، فيستخدم المعقول في التعلم ، ويستخدم الله المعقول ليتعرف إليه ويعرفه ، فهذا الفلك الإنساني هو وحده المصطفى لركوب بحر الجود الإلهي من العلوم الكونية.
١٣ ، ١٤ ـ (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤))
[فاطر : ١٣ ، ١٤]
الشمس الذات الأحدية المشعة ، والإشعاع الروح الكلي الواحد الذي سنفصل الكلام فيه في تأويل سورة ياسين ، والقمر القلب المستقبل للأنوار الإلهية والتي يعكسها بدوره لينير الدرب لبقية النفوس والأرواح الجزئية ، والأجل الدورة الوجودية التي يتطلبها الكشف العلمي الممثل في الإنسان الكامل الذي هو روح خالص من جهة ، والذي هو إنسان ظاهر من جهة