العزة القوة والغلبة ، وهي لله قطعا سواء أقر الإنسان بهذا أم جحد ، وللأمر رقيقة ، ذلك أن العزة صفة والإنسان موصوف بها ، فإن يكن الإنسان قويا فالله هو الذي جعله قويا ، وإن يكن غالبا فالله هو الغالب على أمره ، وما من صفة يتصف بها الإنسان إلا وهي خلق تخلق به الإنسان.
والكلام الطيب هو التوحيد ، وشعاره لا إله إلا الله ، والله لا يقبل إلا الكلام الطيب لأنه ما خلق الإنسان ، وعلمه البيان ، إلا ليهتدي به إليه ، فإذا ضل فإنما يضل على نفسه ، ويبقى الله الواحد وحده سواء أقر الإنسان بربوبيته أم جحد.
وقوله : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) يعني أن الصفات الجميلة تفضي بصاحبها إلى الكلام الطيب نفسه ، فترى المؤمنين ذوي الخلال الحميدة يسبحون لله قائمين قاعدين وعلى جنوبهم وقال عليهالسلام : الظلم ظلمات يوم القيامة ، فمن سار على درب النور تفجرت في قلبه الأنوار ، ومن خرج على درب النور ضل وأضل وكانت له عقبى النار.
١١ ـ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١))
[فاطر : ١١]
الأزواج الأسماء المتقابلات والصفات الممكنات ، فالزوج ، وهو مفرد الزوجين ، هو زوج ما دام له زوجه أي أهله ، فإذا فارق أهله ، أو فارقه أهله لم يعد زوجا ، وكذلك الصفة إن فارقت صاحبها ما عادت صفة ، وإن فارقها هو بالموت الطبيعي ، أو بالموت المعنوي ما عادت صفة أيضا ، لأننا قلنا إن الصفة قائمة بالموصوف قيام الموصوف بها ، فلا صفة بلا موصوف ، ولا موصوف بلا صفة ، وهذه العملية هي ما عبرت عنها الآية قائلة : (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ).
وفي كتابنا «الإنسان الكبير» بينا أن الإنسان عموما ، رجلا كان أو امرأة ، هو أنثى ، بمعنى أنه قابل سالب ممكن منفعل ، والفاعل فيه الروح ، والله ما خلق الإنسان إلا كما خلق المرأة ، أي ليحمل ويضع ، وما يحمله صفته ، وما يضعه صفته أيضا بعد أن كانت لديه بالقوة فصارت بالفعل ، وهذا ما سنفصل الكلام فيه في حديثنا عن الرجلين اللذين بعث الله بهما إلى المدينة ثم عززهما بثالث ، وقد ورد ذكرهم في سورة ياسين.
وقوله سبحانه : (وَما يُعَمَّرُ) له إشارة إلى علم الظاهر وعلم الباطن ، وفي كتابنا الإنسان الكامل والإنسان الكبير بينا كيف يعمر المعمر فينقص بالتالي من عمره أي من عمله وعلمه ، وهذا ملاحظ لدى من مسهم الكبر وبلغوا من الكبر عتيا ، فهذا وجه النقصان في العمر في علم