الفضاء ، وتأمين الغذاء لكل دابة في الأرض ، كما أن كل ما يفعله الإنسان من تفكير وتصور وتحرك واختيار ، كل هذا هو خلق الله ، فإذا رفعت هذه القبضة الإلهية عن الكون فما ذا يبقى منه؟
٥ ، ٧ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧))
[فاطر : ٥ ، ٧]
يذكر الله الإنسان بألا يجعل همه الدنيا ، فما تقدمه الدنيا هو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ، فإذا جاءه لم يجد شيئا ، وأعظم اللذات الحسية هي وقف على تحقيقها ، فإذا تحققت مضت وتبددت كأنها لم تكن ، وقالت العرب : لذة الثوب يوم ، فأغلى ثوب في العالم لا يقدم للابسه شعورا باللذة أكثر من يوم واحد ثم في اليوم التالي كسراب بقيعة ، والله جعل عطاء الدنيا محدودا مجذوذا ، وبشر الصابرين المجاهدين الراغبين في الآخرة بحياة خالدة لا يزول سرورها ، ولا ينقضي نعيمها ، وهل من نعمة أعظم من رؤية الله والتنعم بإشراق أنواره؟ هذه الأنوار اللألاءة التي جعلت صوفيين كبار أمثال ابن الفارض سلطان العاشقين ، وابن أدهم سلطان السائحين ، وإبراهيم الخواص سلطان المتوكلين ، يسيحون في الله ، هائمين بالله حبا ، وقال ابن أدهم : لو علمت الملوك ما نحن فيه من نعيم لجالدونا عليه بالسيوف.
٨ ـ (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨))
[فاطر : ٨]
ثمت لطيفة في قوله سبحانه : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) فما دامت الصفة تطلب الموصوف ، وما دام الموصوف رهين الصفة ، وما دام الإلهام وحده الفاعل والمؤثر ، فالنتيجة أن من يلهم الفجور يراه حسنا ، وهو يفاخر به ، وهذا ضرب من المكر الإلهي الخفي والغالب على أمره ، قال ابن عربي : فله الإلهام فينا ، ولنا العمل بما ألهم.
٩ ـ (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩))
[فاطر : ٩]
قلنا الريح ريح الهداية ، والسحاب الخير الذي تحمله هذه الريح وتسوقه والبلد الميت القلب الغافل عن الله ، والأرض التي حييت القلب الذي أشرقت فيه الأنوار والنشور قيامة العارفين الذين رأوا الله جهارا في صور العيان فسبحوه بكرة وأصيلا.
١٠ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠))
[فاطر : ١٠]