هذا صوت أطلقه المليك وإن خرج من فم عبد الله ، وقال على لسان فرعون : هو حينا يجعلني قمرا وحينا يجعلني مظلما ، وأي شيء سوى ذلك يكون صنع الله؟ إننا أمام صولجان حكمه النافذ نجري في المكان واللامكان.
٣٤ ، ٣٥ ـ (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥))
[سبأ : ٣٤ ، ٣٥]
طبيعة المترفين التعلق بالاسم والأنية ، والمترف المنعم يعتمد ماله وقواه فهو بالتالي ينسى الله أو ينكر وجوده ، وما حاجة المتنعم إلى الله ولديه ما يكفيه من عز وجاه ومال وأولاد؟ ولهذا قال عيسى عليهالسلام إن دخول جمل في سم الخياط أسهل من دخول غني في ملكوت السموات.
٣٦ ـ (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦))
[سبأ : ٣٦]
طبيعة الرزق إلهية ، والملاحظ أن الغنى ليس وقفا على الأذكياء ، بل قد يثري الأحمق الذي لا يميز يمينه من شماله ، وما فضل ولد ولد غنيا ، أو كما يقال ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ، فالله قدر الرزق وفق نظام خاص به هو من دون الناس ، والناس المرزوقون مرزوقون بالفضل الإلهي من قبل سعي الساعي وقعود العاجز عن السعي.
٣٧ ـ (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧))
[سبأ : ٣٧]
قرئت الغرفات الغرفة أيضا ، وقال سبحانه في موضع آخر أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ، والغرفة مكان في الجنة يبلغه القاصدون العارجون في سموات المعقولات حتى يصلوا إلى سدرة المنتهى أو مجمع المعقولات ، فالغرفة هي سدرة المنتهى يدخله ملائكة المعقولات ، فالإحاطة بعلم الأسماء المعقولات هو القصد من خلق الإنسان الذي ما خلقه الله إلا للعلم.
والأمن نتيجة الوصول إلى الغرفة والحلول فيها ، والأمن هو البرد الذي وجده إبراهيم في النار ، وهو الراحة من عناء مجاهدة النفس والعالم أي مدافعة الأسماء بعضها بعضا.
٣٨ ـ (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨))
[سبأ : ٣٨]
قوله سبحانه : (فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) له نكتة ، ذلك أن الساعي في آيات الله معاجزا هو بالتالي في الجانب الجلالي من الأسماء ، أي في جانب التضاد ، وقيل إن أسماء الجلال أسماء بلاء ، ولهذا فإن من يسعى معاجزا في آيات الله هو معذب ، محروم بحربه الله من رحمة الله.