٢٨ ـ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨))
[سبأ : ٢٨]
تحدثنا عن سر كونه صلىاللهعليهوسلم مبعوثا للناس كافة ، وقلنا إن نوره الذي تنتشر منه الأكوان هو الذي يكون حجر أساس للبناء ، ثم يرفع البناء نفسه فوق هذه القاعدة النورانية الأولى.
والعلم الحديث رفع قواعد الوجود العياني كشفا علميا بالقول ، أن ليس ثمة إلا ذرات مؤلفة من كهارب ، وما هذا الوجود الذي نرى إلا ظواهر الذر اللطيف الذي كان ولا شيء معه وهو الآن كما كان.
٢٩ ، ٣٠ ـ (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠))
[سبأ : ٢٩ ، ٣٠]
الميعاد الأجل المسمى للنفس ، وهو أجل محدد ساعة نفخ الروح في الجنين ، فلئن زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها ، وقذفت البراكين حممها ، وغمر البحر البر ، فإن النفس تستوفي أجلها كما استوفى نوح أجله المحدد بعد أن ركب في الفلك فعام في بحر الهيولى العامة.
٣١ ، ٣٢ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢))
[سبأ : ٣١ ، ٣٢]
الحوار دائم بين الكفار والمنافقين ، والأقوياء منهم والضعفاء ، وهذا حال يعيشه الناس في كل عصر وأوان ، فالناس يحاولون أن يلقوا تبعة أعمالهم على الآخرين ، والآخرون يتبرؤون مما اتهموا به ، والحقيقة أن ليس ثمة إلا أصوات بشرية تخرج من أبواق إلهية خفية ، وهذا ما أشير إليه في الآية الثالثة والثلاثين التالية.
٣٣ ـ (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣))
[سبأ : ٣٣]
الإشارة إلى المكر الإلهي ، وسمي مكر الليل والنهار ، وللتسمية لطيفة فخروج المكر من عالم الغيب إلى عالم الشهادة هو في حقيقته مكر الليل والنهار ، والليل للخفاء والغيب ، والنهار للعيان والشهادة ، فالحوار موجود مفقود ، حقيقي وهمي ، وقال جلال الدين الرومي :