٣٩ ، ٤٢ ـ (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢))
[سبأ : ٣٩ ، ٤٢]
ثمة تفريق في الآيات بين الملائكة والجن ، فالملائكة المعقولات ، والجن من جنّ أي استتر ، فالمؤمنون بالملائكة مؤمنون بالمعقولات ، منصتون لإلهامها ، فهم بالتالي مؤمنون. أما عابدو الجن فهم لا يؤمنون بالملائكة ولا بالمعقولات بل بأنفسهم وفكرهم فقط ، ولهذا جاء في الآيات أن هؤلاء مؤمنون بالجن فقط ، أي بما استتر منهم ، علما أنهم لا يعلمون حقيقة ما استتر منهم ، ولا كيف يكون الإلهام.
٤٣ ، ٤٥ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥))
[سبأ : ٤٣ ، ٤٥]
الدعوة إلى التوحيد ثقيلة ، هي بحاجة إلى قلوب ذات سعة ، كما قال الإمام علي مشيرا إلى صدره : إن ههنا علما لو أجد له حملة ، وقوله سبحانه لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥)) [المزمّل : ٥] ، فالناس طبعوا على التعلق بالظواهر والأنيات والأحداث اليومية ، أما صرف الانتباه عن هذا العالم إلى وجود الواحد القاهر فوق عباده الذي بيده نواصي العباد جميعا ، والملهم النفوس فجورها وتقواها ، والرزاق الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، والخافض الرافع إذا ما اشتعلت نيران الحرب وصوتت أبواقها ، والمعز المذل إذا ما أعزت الأحداث إنسانا أو أذلته ، أي أن يكون الله الفاعل الحقيقي في ملكوت السموات والأرض ، فهذا أمر لا يريده الكفار ولا يتقبلونه بل ولا يطيقونه ، فالإيمان بالله في نظر الكفار شلل وتعطيل ، وهو بديل غير مقبول لإيمانهم هم بقواهم وإمكاناتهم وسعيهم وتدبيرهم ، قال جلال الدين الرومي : هو يظهر حينا بتلك الصورة ، وحينا بضدها ، فليس في أمور الدين إلا ما يبعث الحيرة ؛ وقال : ماء الحلم ونار الغضب كلاهما من الله وقال : نحن في الغضب والحرب صدى لقهره ، ونحن حين الصلح والصفح صدى لحبه فما نحن في هذا العالم المعقد؟ إننا كالألف ، فماذا تملك الألف من الحركة؟ لا شيء.