العفو قراره وأعلن قائلا : (إذهبوا فأنتم الطلقاء) ، ومع هذا فالله يعفو عن
المؤمن إذا ما أثير فحمل على عدوه فقتله ، إذ المدخل الجهاد ، والمخرج (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس : ٥٨].
٦١ ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ
فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
(٦١))
[الحج : ٦١]
الأمر بين ظاهر
وباطن ، والله هو الظاهر والباطن ، فالليل إشارة إلى النور الإلهي المستتر ،
والنهار هذا العالم المرئي ، فيكون النور والجا في العالم المادي ، ومن الممكن عكس
الآية فيكون النهار هو النور والليل العالم الكثيف والنتيجة تكون نفسها ، وربط
الإيلاج بكون الله سميعا بصيرا ، وههنا نكتة .. فالنور لو لم يلج في العالم لظل في
العماء ، أي ظل مثل السحاب الرقيق ، أي ظل ذرا بلا تكثيف أو سديما أول كما قالت
العلماء عن بدء التكون ، فإذا لم يجد النور مكانا وزمانا ليظهر لم يظهر من ثم ،
وظل الله كنزا مخفيا ، فالله كثّف الذر ليوسع لنوره مكانا فيه ، وليتوضع فيه زمانا
، ولينشر من ثم مقولاته من الكيفيات في هذه الكميات ، فمتى تم هذا استوى الله
سميعا بصيرا ، أي كان العالم محل الخطاب لله ، فخاطبه ومن فيه ، ثم سمع منه ومن
فيه ، ولما كان الموضوع أصلا هو الله كان الحق المخاطب ـ بكسر الطاء ـ والمخاطب ـ بفتح
الطاء ـ ، أي المكلم والسميع ، فهو بذاته ، والعالم لذاته ، وكلاهما ذاته.
٦٢ ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ
وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ
الْكَبِيرُ (٦٢))
[الحج : ٦٢]
العلي من أسماء
التنزيه ، إذ لا فوق فوق الله ولا تحت تحته ، ولهذا تساءل ابن عربي على من علا
وليس ثمت إلا هو؟ وأورد ابن عربي حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (لو دليتم بحبل لهبط على الله) ، مستشهدا بأن لله
الجهات باعتباره محتوى وجوهر المقولات التي وصفت الوجود بأنه الفعل والانفعال
والزمان والمكان والكم والكيف.
٦٣ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ
السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
(٦٣))
[الحج : ٦٣]
سبق أن تحدثنا
عن ماء العلم اللدني النازل من سماء الرحموت إلى أرض الأبدان ، ليعلم الإنسان ما
لم يعلم. وثمة بطن آخر لهذا الماء الإلهي وهو تمييز الإنسان عن الحيوان بالنطق أي
بالفكر ، وكنا قد تحدثنا عن دور الفكر في التجريد الحسي للكليات الحسية ، كما
وتحدثنا عن الحدس الذي هو سمة باطنة ، للفكر أيضا ، والإنسان بدأ رحلته من الغاب فكان
والحيوان