أما العلم
اللاحق فهو إحاطته سبحانه علما بتطورات الجزئيات المؤثرة في بعضها بعضا ، والمطورة
لبعضها بعضا حسبما قال هيغل ، فيكون الله كالمهندس الذي خرج من مكتبه إلى الفلاة
حيث يتم تشييد بنائه ، فيرى كيف يكون التنفيذ ، وأين يكون الغلط فيصححه ويوافق على
الصواب ، ولو أن العالم غاب عن رقابة الله غمضة عين لدب الفساد فيه ، ويكفي أن
يفكر الإنسان في بليوني نجم يسبحون في الفضاء وفق قانون هو في الوقت نفسه ،
اللاقانون إن لم يكن الله هو صاحب القانون.
٤ ، ٥ ـ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ
أَلِيمٌ (٥))
[سبأ : ٤ ، ٥]
عذاب المعاجزين
تفكيرهم نفسه ، فكما قلنا الفكر إشعاع الصفة ، والصفة إشعاع الله ، والمعاجز همه
إنكار الله وإنكار قدرته وإثبات عجزه إن وجد ، وهذا تفكير من نمط معين ، فيكون
تفكيره ذاته حاجزا يحجزه عن الله ويهوي به في واد سحيق.
٦ ـ (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ
الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦))
[سبأ : ٦]
العلم علمان :
العلم النظري التجربي الاستدلالي التركيبي ، وهو علم العلماء ، وهو يفضي إما إلى
الإيمان أو إلى الإلحاد ، وهذا مشاهد لدى العلماء الذي ينقسمون قسمين مؤمنين
وملحدين ، فالعلم الفكري لا ينهض دليلا على وجود الله ، ولو نهض لما كان عالم
مؤمنا وآخر ملحدا ، فثمت خلفية للفكر تتحكم فيه ألا وهي الصفة كما قلنا ، والصفة
إلهام.
أما العلم
الثاني فهو الذي جاء ذكره في الآية ، وأصحابه هم الذين أوتوا العلم ، فهذا العلم
هو اللدني الإشراقي خص الله به عباده كما جاء في وصف العبد الصالح الذي التقاه
موسى عليهالسلام وقال فيه سبحانه : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ
لَدُنَّا عِلْماً) [الكهف : ٦٥] ، وهذا العلم كشف في اليقظة والمنام يستخدم الصور وسيلة لفهم
المعاني ، ومدخله ليلة القدر ، حيث يرفع الحجاب بين الله والإنسان ، فإذا الله
إنسان عين الإنسان ونوره وهاديه ومضله ، ومتى استيقن العبد بهذا الإيمان الذي لا
شك بعده ولا خوف ولا روغان سكن وسلم.
٧ ، ٩ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ
نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ
إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ
جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ
الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ
السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ
عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ
مُنِيبٍ (٩))
[سبأ : ٧ ، ٩]