أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨))
[الأحزاب : ٦٤ ، ٦٨]
تحدثنا عن انحجاب الكفار عن الله ، والله موجود وقريب بالمعية ، ومع هذا فرفض الكافر الاعتراف بوجود الله هو ينبوع عذابه نفسه وأي شقاء أعظم من البعد عن الله وعيش الكافر في العالم وحيدا لا سند له ولا معين ولا أمل ولا رجاء؟
٦٩ ، ٧١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١))
[الأحزاب : ٦٩ ، ٧١]
خلق الله الإنسان ليميز الخبيث من الطيب ، وخلق الأحداث ليتحقق هذا التمييز ، فمهما حاول الإنسان إخفاء خليقته فإن أحداث الحياة الرافعة الخافضة المقلبة المتقلبة قمينة بكشف المعدن ، وهذا كله من فعل الله ، وحدث لموسى الذي قال عنه أعداؤه إنه آدر ، أي به أدرة وهي نفخة في الخصية ، فأدخل الله موسى مدخلا وأخرجه مخرجا حتى ظهرت الحقيقة ، فإذا موسى سليم معافى لا عيب فيه ولا مرض.
وثمة بطن آخر للآيات وله نكتة ، فالخصية سبب الإخصاب ، ورمي موسى بالأدرة معناه أنه عاجز ، ونبي عاجز لا قيمة له ، وما دام النبي مظهر النور الفاعل فهو بالتالي فاعل فإن لم يكن فاعلا أي مخصبا فغيره أولى باحتلال مكانته ، وهذا غير جائز في حق الأنبياء.
٧٢ ، ٧٣ ـ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣))
[الأحزاب : ٧٢ ، ٧٣]
الأمانة السر الوجودي الذي قال فيه التستري : إن للربوبية سرا لو علم لبطل العلم ، وإن للعلم سرا لو علم لبطل العمل ، وإخفاء الأمانة ضروري لأن حملها ثقيل ، ولهذا جاء في الآية أنها عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملها ، والسموات المعقولات ، والأرض المحسوسات ، والجبال المعقولات الرواسي في الحسيات ، وهي جميعا لا تستطيع حمل الأمانة لأنها جميعا بالنسبة إلى عين الجمع جزيئات ، والجزئي لا يستطيع استيعاب الكلي ، وما دام السر متعلقا بالكلي فلا طاقة للجزئي على هذا الحمل.
أما الإنسان فلقد حمل الأمانة الإلهية ، لأن الإنسان وحده المخلوق الجامع بين الروح والمادة والحاوي لهما ، فمن جهة هو يطل على الروح والمعقولات ، ومن جهة أخرى هو يطل