تَسْلِيماً (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧))
[الأحزاب : ٥٦ ، ٥٧]
باعتبار النبي الوجود الجامع للظاهر والباطن كانت صلاة الله عليه وملائكته صلته هو شخصيا بذاته التي هي ذات الحق ، ولهذا كان جبريل ملكا نورانيا يمثل شطر النبي الذاتي النوراني ، وعلى هذا فالصلة بين باطن النبي وظاهره قائمة ومستمرة.
والصلاة صلاتان ، دائمة ومؤقتة ، فالدائمة هي صلة الصفة بالموصوف وهذا فعل الضمير في الإنسان الذي يصلي عليه دائما بأن يحفظه من خواطر السوء والوسوسة ويجعل له دائما صراطا مستقيما ، فالله خير حافظا ، وهو يحفظ عبده عن طريق الوحي والإلهام والملائكة الذين هم أيضا إلهام الصفة ، أما الصلاة المؤقتة فهي خاصة بالأنبياء والأولياء ، فالله ظل يصلي على نبيه صلاة دائمة حتى بلغ أشده ، وكان يقصد في أواخر الثلاثينات من عمره غار حراء ليتحنث فيه .. ثم جاء الفتح وهو يمثل الصلاة المؤقتة التي لها ميقات ، وفيها تكشف الآفاق للقلب ، فإذا الله حاضر ، وإذا الله الجامع للتضاد ، وإذا الله مقلب القلوب ، وإذا الله بالمرصاد ، وإذا الله وارث كل شيء ومفني كل شيء والقائم به كل شيء.
فهذا النور الجامع هو نوره عليهالسلام الذي ورثه عن ربه ، فهداه عليهالسلام كان منه وبه وفيه ومن باطنه إلى ظاهره ، فمثل بهذا الإنسان الكامل ، وكان بهذا الإنسان الكبير روح الكون ومظهر جبريل وتعينه ، ولهذا أوصى الله المسلمين بالصلاة على النبي أيضا وذلك بالتسليم له ، وذلك أمر واقع بحكم القهر ما دام الموصوف يتبع الصفة ويستمع وحيها وإلهامها.
٥٨ ـ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨))
[الأحزاب : ٥٨]
الخطاب لأصحاب أسماء الجلال المقهورين حكما بفعل الإلهام أيضا ، وهؤلاء ملعونون بحكم إلهامهم ، والوجود الجامع ، اقتضى هذا التفريق وهذه التثنية.
٥٩ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩))
[الأحزاب : ٥٩]
الجلباب إشارة إلى استتار المعقولات في الإنسان من الانسان ، وهذا واقع حكما لكون الإلهام قريبا من نجوى القلب بل هو نجوى القلب على الحقيقة ، وعلى هذا قالت الصوفية إن الإنسان ، أو نفس الإنسان معبر ومحل للخطاب ، ومن دون وجود هذا الجلباب أو الحجاب ما كان تم أمر الله بأن يكون بينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب من نور وظلمة كما جاء في