وسؤال أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم من وراء حجاب ذو إشارة ، فالعقل الإنساني ذو وصلة بالعقل الإلهي ، والفعل الإلهي هو النور المحمدي نفسه ، فلا يمكن إقامة صلة بين عاقل ومعقول إلا عن طريق العقل الفعال ، والعقل الفعال هو الحجاب ، والناس يجهلون وجود هذا العقل ، وكيف يكون هو الملهم والقاهر والمسيطر والرافع الخافض والمضل الهاد ، وهم ينسبون العقل الكلي إليهم فيجعلون من الكلي جزئيا ، وهذا معنى الكفر والإلحاد في كتاب الله ، فالناس محجوبون ما لم يكشف لهم الحجاب ، فإذا كشف تبين لهم الحق من ربهم ، وعلموا اليقين الذي هو علم التوحيد ، فأحلوا النبي مكانته الأزلية ، وعلموا ما موقعه من ربه ومن الناس ، يقول الدكتور عاطف نصر : لم يرتفع الصوفية بالنبي إلى مرتبة الألوهية ، وإنما عدوه الإنسان المتأله لأنه الإنسان الكامل ، وهذا عندهم مبني على أن لحقيقته مرتبتين ، مرتبة الإطلاق ومرتبة التعين ، فإن تدلى من إطلاقه إلى تعينه علم المعلومات من حيث ارتسامها في مرتبة تعينه ، وإن بقي في إطلاقه وغناه انطمست تعينات المعلومات في مراتبها لغناه عنها ، لأن الحقيقة الإطلاقية لا تقتضي علما ولا جهلا ، وأولية نوره إشارة إلى أنه المظهر الأكمل والمجلى الأتم ، وأنه عقل وجوده في عين حقيقته ، لأن حقيقته هي النور فانتشرت منه الأكوان كلها باعتبار حقيقته ، والحقيقة المحمدية وصلة بين الألوهية والمألوهية ، ورابطة بين الربوبية والمربوبية.
٥٥ ـ (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥))
[الأحزاب : ٥٥]
الأزواج محل الانفعال ، وما دامت أزواج النبي يمثلن المعقولات الكليات فإن عليهن امتثال الأمر الإلهي القاضي بإحداث أسماء الجمال وأسماء الجلال ، وما دام الإنسان محل الانفعال في الوجود ، والروح الفاعل فإن عليه امتثال أمر الفاعل وذلك بأن لا يكون عليه جناح في الاتصال بالمعقولات اللواتي هن من نوع المعقول الذي عنده ، وهذا معنى قوله تعالى في مواضع أخرى : (عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) [يس : ٥٦] ، فالصفة تقابل الصفة ، وكل ذي خلة يحب من كانت له مثلها ، فالمؤمنون كما قال عليهالسلام إخوة ، وقال عليهالسلام في أبي بكر : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله ، فهذه الصلة بين الإخوان هي بمثابة الصلة بين أزواج النبي وأقربائهن المذكورين في الآية ، أما من ابتغت وراء ذلك فهو محرم عليها كما هو محرم على المؤمن الاستئناس إلى الكافر والمنافق.
٥٦ ، ٥٧ ـ (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا