الانفصال كجوهر ونور قديم ، لهذا يقال هو لا متصل ولا منفصل ، فإذا أردت أن ترفع الله فوق العالم كفرت إذ سترت وحجبت وفصلت ، وإذا أردت أن تجعل الله العالم كفرت أيضا لأن العرض والإمكان ليسا كالديمومة ، والعالم برمته مجموعة صور متحركة لاثبات لها على حال ، والله خلق الصور ليراه الإنسان من خلال صوره أي صفاته ، فإذا عرفت عرفت من هو ، وأين هو ، وكيف يفعل وكيف يكون الحي القيوم الخالد الأبدي الذي غيره لا يدوم.
٤٣ ـ (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣))
[الأحزاب : ٤٣]
الصلاة الصلة ، فالجوهر يطلب العرض ، لأن نورا لا يقدح نارا لا قيمة له ، ولو بقي الذهب عروقا مدفونة في الأرض لما كان ذهبا ، إذ ما قيمة كنز لم يستخرج ويستثمر ويعرف ، فصلاة الله صلة الأصل بالفرع.
أما صلاة الملائكة فهي صلة الأسماء بالمسميات ، أي صلة المعقولات بالعقل الهيولاني المادي ، أو صلة الصفات بالموصوف ، والصلة دائمة ، فالملائكة جند الله يفعلون ما يؤمرون ، وفعلهم في القلب كما بينا هذا من قبل ، ولهذا كان من الملائكة على جهنم التي هي محل لتعينات أسماء الجلال ، وقد وصف سبحانه هؤلاء الملائكة بأنهم شداد غلاظ لا يعصون الله ما أمرهم.
والإخراج من الظلمات إلى النور الخروج من أسر عالم المادة والمحسوسات إلى عالم الروح والمعقولات ، وما قيمة الإنسان إلا بعقله ، والعقل الذي لم يرتفع إلى مستوى المعاني والتجريد والتفكر في خلق السموات والأرض عقل ناقص ينحط إلى مستوى البهيمة بل هو أضل سبيلا.
٤٤ ـ (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤))
[الأحزاب : ٤٤]
اللقاء لقاآن مؤقت ودائم ، أما المؤقت فهو للمكاشفين الذين يكشف الله عنهم الغطاء فيصير بصرهم حديدا ، وهؤلاء المكاشفون يناديهم الله من جانب طور قلوبهم المسمى الطور الأيمن في القرآن ، فيظهر الله من ثم في التضاد ، ويكشف سر التضاد ، فإذا جهنم التضاد قد صارت بردا وسلاما على المكاشف كما حدث لإبراهيم عليهالسلام ، وكون هذا اللقاء مؤقتا يعني أن الله يبرز ساعات سماها عليهالسلام نفحات ، ثم يعود إلى التواري وراء صوره ، وسمى عليهالسلام هذا الحال سوقا ، وقال إنه من الجنة وأصحابه في الجنة كما جاء في الحديث : (إن في الجنة سوقا ما فيها بيع ولا شراء إلا الصور من النساء والرجال ، فإذا اشتهى الرجل صورة