دخل فيها) ، ووصف البسطامي عدم دوام هذا اللقاء قائلا : إذا رآه العارفون جعل لهم سوقا ما فيه بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء ، فمن دخل منهم السوق لم يرجع إلى زيارة الله أبدا.
فالقصد تعرف الله وأين هو ، فإذا تم التعارف والتعرف رجع الله إلى صوره لأنه لا انفصال له عن الصور ، ولا ظهور له إلا بالصور ، فالصور الطريق إليه والدلالة عليه ، وكون هذه الصور حية متحركة نشطة مريدة فعالة دلالة أيضا على من جعل هذه الصور حية متحركة بث فيها الحياة ووهب لها السمع والأبصار والأفئدة ، وجعل أصحابها يسعون في طلب رزقهم من عالم العيان.
أما اللقاء الدائم فهو الحضرة الجامعة حيث يتحقق الفناء التام ، وسمي هذا المقام المشاهدة ، وفيه تفنى الذات الجزئية بأن يغرق الجزئي في بحر الكلي فلا يعود ثم أحد ، ولا يبقى إلا الأحد ظاهرا باطنا ساكنا متحركا صامتا ناطقا موحيا ملهما قائما بذاته ولذاته ، سبحانه هو القائل : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [الزّمر : ٦٩] والقائل : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧)) أنشد ابن الفارض :
وفي الصحو بعد المحو لم أك غيرها |
|
وذاتي بذاتي إذ تحلت تجلت |
وما زلت إياها وإياي لم تزل |
|
ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت |
وأنشد أيضا :
فلو كشف العّواد بي وتحققوا |
|
من اللوح ما مني الصبابة أبقت |
لما شاهدت مني بصائرهم سوى |
|
تخلل روح بين أثواب ميت |
وأنشد عبد الغني النابلسي :
أشار سري إليك حتى |
|
فنيت عني ودمت أنت |
محوت إسمي ورسم جسمي |
|
سألت عني فقلت أنت |
٤٥ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥))
[الأحزاب : ٤٥]
النبي جامع بين الشريعة والحقيقة ، وهو لكلتيهما مظهر ، فهو للحقيقة نور أول كما جاء في حديثه إلى جابر : أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ، ولهذا كان عليهالسلام شاهدا ومشاهدا وذلك بسبب كون نوره نور القلوب ومقلبها وحامل الأسماء والمتصرف فيها عطاء من ربه غير مجذوذ ، فما غاب لحظة نور النبي عن العالم وما زال ، ولهذا قال عليهالسلام : أنا حي في قبري ، ولهذا أرسل عليهالسلام للناس أجمعين ورحمة للعالمين ، أي لم يخص بأمة دون أمة ،