ما يقوله النبي صلىاللهعليهوسلم هو وحي يوحى ، هكذا وصفه ربه معلمه ومؤدبه ، والوحي قانون قديم عظيم سليم يعلم حقائق الأمور وأسرار النفوس والطبائع ، فما يقوله الوحي ويوصي ويأمر به هو الحق وهو العدل والميزان والقسطاس ، قال جلال الدين الرومي كل من يتلقى من الله الوحي والجواب يكون كل ما يأمر به عين الصواب.
والإنسان يصيب ويخطئ ، وهذه شيمة الفكر الخاضع للتناقضات والذبذبات وتأثير التطورات ، فالوحي الإلهي هو وحده الحق ، ورسوله مبلغ وما عليه إلا البلاغ ، وعلى المسلمين المؤمنين الانصياع للحق وتنفيذ الأوامر ليبلغوا مأمنهم ويتقوا عواقب الأمور.
٣٧ ـ (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٣٧))
[الأحزاب : ٣٧]
النبي بشر له طبيعتان روحية ونفسية والروحية هي ذات الصلة بالوحي الذي هو صوت إلهي وحكمة الله ، والنفسية هي التي ترتبط بالعالم الخارجي وتطوره وتقف من المشاكل والقضايا موقفا وتفكر وتتردد وترحج وتختار وتقرر ، والطبيعة البشرية للنبي هي التي وجدت حرجا حين هوى قلبه إلى زينب زوج زيد بن حارثة دعيه ، ورفض أن يطلق زيد امرأته لما وجد كراهة لها بعد الزواج ، وخشي النبي أن يقول الناس تزوج امرأة ابنه ، فنزل الوحي ليقول الصواب ، ولقد سبق ورود آيات تفيد أن التبني ليس كالنسل الحقيقي ، ودعا الله أن يدعى المتبنون لآبائهم إن عرفوا أو لذوي الفضل ، والحق بت قضية التبني مثلما بت العديد من القضايا والمشكلات الاجتماعية كمشكلة الرق ووأد البنات وتعدد الأزواج وطقوس الحج التي عرفت في الجاهلية ، ولقد أثبت الزمن صحة كل ما قضاه الوحي من أمور ، ولو شئنا أن نورد الأمور التي قضاها الوحي وخالفها الناس ، وما حدث من عواقب بعد ذلك ، لما كفتنا المجلدات.
٣٨ ـ (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨))
[الأحزاب : ٣٨]
القدر المقدور خروج ما في بطنان القضاء المسبق من قوانين لتطبق في عالم العيان ، والعملية وجودية صرفة مسبقة بوجود إلهي نوراني صرف قضى ما قضى فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ، فما يحدث في عالم العيان ، إنما يحدث نتيجة وجود هذه القوانين الإلهية السابقة ووضعها للعالم عامة وللإنسان خاصة ، وكل نظرية إنسانية هي من اختراع الفكر تخضع