فالعين الجامعة جامعة لكل الأسماء والصفات ، ولهذا كان تصرف تعين الاسم في اسمه فقط مع إغفال تعيينات الأسماء الأخرى هو تقيد وحصر للاسم نفسه ، فالأسماء إخوة وأخوات ، ووصفت في الآية بالتذكير والتأنيث أما التذكير فلأن الاسم هو الفاعل في صاحبه عن طريق الوحي والإلهام ، وأما التأنيث فلأن الاسم بدوره قابل منفعل عن الروح الفاعل ، فالقصد تحقيق القصد من وجود الأسماء وهو الفتق الجزئى للاسم أولا ثم الانفتاح وقال : إنما المؤمنون إخوة ، وقال : يد الله مع الجماعة ، وحث على صلاة الجماعة.
فإذا فعل عبد خيرا ما فقد بدأ هجرته إلى الله ، وأول الطريق التفكير في الآخرين كالتفكير في الأنا وعدم إيذاء الآخرين مثل عدم إيذاء الأنا ، والحفاظ على حقوق الآخرين كالحفاظ على حقوق الأنا ، والمرحلة الثانية إيثار الآخرين على الأنا كما قال سبحانه ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، فالأخلاق الإسلامية هي ضد الأنا لا من باب تحطيمها بل من باب فتح أبواب خزائن كنوز الأنا المغاليق ، وتقول العرب فلان أحمق في ماله ، أي أنه كريم لا يمسك مالا كما كان حال حاتم طيء ، والحمق هنا نتيجة للخروج عن المال الذي يعد ظاهرا خسارة شخصية .. لكن لله في الكرم وكل الخصال النبيلة شأنا آخر وهو أن تساعد التضحية بالأنا ومصلحتها على أن يفقس الفرخ بيضته ويخرج منها ، وما دام الفرخ في البيضة فلا خروج ، وبالتالي لا تحقيق لما هو مطلوب تحقيقه ، وتمسك الإنسان بالأنا يعني تمسكه بالجزء ، والجزء غير الكل ، إذ الكل محيط والجزء غير محيط ولهذا قلنا الأنية سجن ، والسجن حجاب جاء ذكره في الكثير من الآيات كقوله سبحانه : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)) [المطفّفين : ١٥] ، وكيف يمكن أن يعبد العبد الله ويعرفه ما دام لا يفكر إلا في نفسه ، في حين أن الله هو خارج الأنا بمعنى أنه خالقها ومالكها والآخذ بناصيتها ، وما دامت الأنيات جميعا له ، وما دام كتب على نفسه بأن لا يحقق الإنسان الأرب إلا عن طريق الجمع والجماعة ، فإذا التحق بالجماعة كسر قضبان قفص الأنية وتحرر وخرج إلى فلاة الصفات ، ثم عرج إلى سموات المعقولات ، أنشد عبد الغني النابلسي :
غلام نفسك بنفسك |
|
فاقتله يا شمس |
واطمس وجودك |
|
بأنوار التجلي طمس |
وإن خرقت سفينته |
|
بحر أمره همس |
أقم جدار الشريعة |
|
والصلاة الخمس |
٣٦ ـ (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦))
[الأحزاب : ٣٦]