كونه منافقا لا يؤمن بالله حقا والبعث والحساب واليوم الآخر ، ولئن أعلن إسلامه فقوله لا يجاوز لسانه ، وخوف الموت سمة الكفار والمنافقين ، ولقد قال سبحانه في موضع آخر : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥)).
١٩ ، ٢١ ـ (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً (٢١))
[الأحزاب : ١٩ ، ٢١]
قلنا المنافق من بئره يمتح ماءه العكر ، فإذا ذهب عن المنافق الخوف نشطت عينه ، وعينه مظلمة ، وهو لا يرى الدنيا إلا من خلال عينه ، فهذه سنة الله في خلقه ، ودأب المنافقين الغمز بالمؤمنين والاستهزاء بهم ، فإذا سئل المنافق خيرا أعمته نفسه وأضلته فوقع في بئر الشح ، والشح سمة النفس إلا من رحم الله.
٢٢ ، ٢٥ ـ (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥))
[الأحزاب : ٢٢ ، ٢٥]
الدور الذي يمثله المؤمن هو ما خصه الله به أزلا. فالمؤمن من عينه يمتح ماءه الصافي ، وهذا ما ذكره سبحانه كثيرا واصفا تلك العين بأنها السلسبيل والزنجبيل ومزاجها الكافور ، والمؤمنون أشداء على الكفار رحماء بينهم ، وكانت حروب المسلمين مثلا في الشجاعة والتضحية بالنفس والكمال والإيمان بقضاء الله وقدره ، وقيل إن صوفيا كان يجاهد الصليبيين فطرحه صليبي أرضا وعلاه واستل خنجره ليطعنه ، والصوفي ينظر إلى عدوه منتظرا قضاء الله ، فإذا سهم يصيب الصليبي فيقتله ، وإذا الصوفي يدفع الصليبي عنه وينهض ليستأنف القتال.
وشجاعة المؤمن ليست ذي حدود ، فمطلب المؤمن الشهادة والجنة ، وفي سبيلهما يلقى الموت غير مبال ، وكانت شكوى سيف الله خالد بن الوليد وهو عجوز أقعده المرض : ما في