والأزواج لا يكن أمهات ، وللقول رقيقة ، ذلك أن الزوجة للمشاركة والمباضعة ، فمن دون الزوجة لا يتحقق الاتحاد بين الفاعل والمنفعل ، بين الموجب والسالب ، بين الذكر والأنثى أما الأم فلها شأن آخر ، فهي تحمل وتضع وترضع ، فهي هنا إشارة إلى الكليات اللواتي يحملن ويضعن ويرضعن الجزئيات من الصفات حتى تنمو الصفة ويبلغ صاحبها أشده فيكون مظهرا لها ، فالأم البداية ، وفتق الصفة أمر متعلق بالتزاوج نفسه ، فللأم دور وللزوجة دور ، والله أعلم.
والأدعياء ليسوا أبناء ، وللأمر رقيقة أيضا ... إذ ما دام الإنسان وجودين ظاهرا وباطنا ، فالظاهر علاقة الأبناء بالآباء وهي علاقة صورية طبيعية معروفة ، أما من منظور الباطن فالأبوة الحقيقية للأب الباطني ، الذي هو الروح الفاعل الذي نفخ في مريم النفس ، والذي هو النور المحمدي المربي الهادي ، ولهذا قال عليهالسلام : أنا أبو الأرواح وآدم أبو البشر.
فالعيان من النبي ليس أبا لمن تبناه وهو زيد بن حارثة ، وحقيقة النبي هي الأب الحقيقي بل هي الأب الكلي للبشرية جمعاء.
٥ ـ (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥))
[الأحزاب : ٥]
للآية بطنان الأول قوله سبحانه : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) أي الآباء الطبيعيون إن عرفوا أو الإخوان في الدين ، والثاني الآباء الباطنون أي المعقولات الحاكمات للإنسان ، والتي هي بمثابة الآباء تلد العقل الطبيعي وتعلمه وتخرج إمكاناته وقواه.
٦ ـ (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦))
[الأحزاب : ٦]
سبق أن تحدثنا عن حقيقة النبي التي هي النور الأول ، ولكونه عليهالسلام الأول في الوجود فلقد احتل مكانة خاصة أزلا ، وكان أزواجه بالتالي أمهات المؤمنين ، إذ الأم الصفة ، والأمهات الصفات ، فالنبي كنور فاعل في الصفة ، والصفة تحمل وتضع الموصوف ، وعلى الموصوف احترام الصفة ، أي توقير والديه الباطنين.
٧ ، ٨ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨))
[الأحزاب : ٧ ، ٨]