أدخلني مدخلا رأيت الخلق فيه بين الإصبعين ، وقال الإمام الغزالي : إن قلت : أفليس للعبد اختيار في الفعل والترك؟ قلنا : نعم ، وذلك لا يناقض قولنا إن الكل من خلق الله تعالى ، بل الاختيار أيضا من خلق الله ، والعبد مضطر في الاختيار الذي له.
فلا يخرج على الله وعلى إرادته شيء ، وما الفكر إلا ميدان نشاط الفكر الإلهي الكلي الذي يمارس قواه في هذا الحيز الذي هو الهيكل ، وفي هذا العرش الذي هو القلب.
والأنعام بمثابة الحواس ، إذ ورد في موضع آخر في القرآن أن الجلود والأيدي والأرجل تشهد على الإنسان يوم القيامة بما قد فعل ، فقوى الحواس إذن ذات وجود إلهي جزئي مفصول عن الإنسان ، وهذا ما بيناه في كتابنا الإنسان الكامل وفي كتابنا الإنسان الكبير.
والأنفس مستودع للصفات التي كانت بالقوة ، فصارت بالفعل ، إذ الصفة لو لا الفتق والممارسة لا صفة وبالتالي لا وجود ، فلو لا الإنسان لظلت الصفات الإلهية في حكم المعطلة ، وعن طريق الإنسان فض الله نفسه بنفسه وعن طريق النفوس الجزئية.
٢٨ ، ٣٠ ـ (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠))
[السجدة : ٢٨ ، ٣٠]
الفتح اليقين ، وما طرق الصوفية وتشديدهم على المجاهدات وقيام الليل وأداء النوافل وإيفاء المقامات الصوفية حقها كالتوبة والتوكل والرضا وما شابه ، ما هذه كلها إلا طريق إلى الفتح المبين ، فبالفتح يعرف الإنسان ربه بربه وبنفسه التي هي مرآة ربه وصورة ربه ، ومن دون الفتح لا يصل الإنسان إلى الحقيقة ولا يعرفها ، ويظل جاهلا السر العظيم الذي يجعل الإنسان يعرج في السموات السبع ويدق أبواب الجنان ويحوز المقام المحمود الذي خصت به الأمة المحمدية.
ولقد أوردنا الحديث الشريف تعلموا اليقين فإني أتعلمه ، فغاية الدين اليقين ، ومن دون اليقين لا يقين ، أي يظل القلب فريسة الوساوس والخوف والتقلب والشكوك ، ويظل أسير الأنية التي هي شر البلية ، قال الشيخ أرسلان الدمشقي : اليقين الأدوم في غيبتك عنك ووجودك به ، وقال : قربك خروجك عنك ، وبعدك وقوفك معك ، وقال شيخ الطائفة الجنيد : اليقين معرفتك أن حركات الخلق وسكونهم فعل الله عزوجل وحده لا شريك له ، وقال الإمام الغزالي : أول عالم الملكوت مشاهدة القلم الذي يكتب به العلم في لوح القلب وحصول اليقين الذي يمشي به على الماء.