والآية تضع الموازين القسط فتقول لمحمد الحق في موسى ، وإن ما أنزل عليه وهو التوراة حق ، وقد نزل على الأنبياء جميعا كما قال سبحانه : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥].
والرسالات النازلة ذات مقصد واحد هو التوحيد ، والخلاف الواقع حصل بسبب موقف الأتباع الذين حرفوا الكلم عن مواضعه كما فعلت اليهود بالتوراة.
٢٥ ، ٢٧ ـ (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧))
[السجدة : ٢٥ ، ٢٧]
الأرض الجرز إشارة إلى الدماغ وهو خال من المعلومات ، ولهذا ضربنا مثلا للإنسان الحاسوب وعمله ، فالإنسان حاسوب والله العامل عليه ، وقلنا إن ما لدى الإنسان من صفات هي لله بما في ذلك الأنا ، فالوعي الناجم عن انصباب أشعة الروح على الدماغ هو الذي يجعل الإنسان إنسانا ، أي ينصبه ملكا على عرش نفسه فيقول أنا وأنا ، وما هو إلا رجع صدى صوت الروح فيه.
والدماغ عند الطفل حاسوب خال ، فإذا باشرت الحواس عملها بدأ شحن الحاسوب بالمعلومات ، والملاحظ أن حاستي الشم واللمس هما أول ما تعملان من حواس لدى الطفل ثم النظر فيعتاد الطفل شم أمه ولمسها والنظر إلى وجهها وهو أول انطباع حسي فيه. ثم يتدرج الطفل في اكتساب المعلومات ، والعملية كلها إلهية ، وسبق أن قلنا أنه لو لا الغريزة التي تجعل الطفل يمص ثدي أمه لما نجحت قوى الأرض كلها في حمله على أن يرضع ، والملاحظ أن الطفل يمص إصبعه بالفطرة ، واكتشف أنه يمص إصبعه وهو في بطن أمه.
فالتدرج من التقاط المعلومات الحسية إلى اكتساب المعلومات المعنوية كتعليم الطفل معاني الصدق والعدل والغيرية وما شابه ، ثم الانتقال إلى مرحلة التجريد العقلي للمعلومات المكتسبة ، هذا أيضا من فعل الروح في الإنسان ، وقلنا إن الإنسان ليس إلا آلة للحق وجسرا ومحطة ومعبرا.
أما دور الإرادة وانجزامها فلقد تحدثنا عنه من قبل .. وفي آيات سترد في سورة يس سنفصل الكلام في الدور الذي تلعبه الإرادة الإنسانية التي هي بدورها منحة إلهية وقوة إلهية ، وإنها بترددها بين الأفكار واختيارها هي بين الإصبعين من أصابع الرحمن ، كما قال البسطامي :