المؤمن يرى بنور ربه والفاسق يرى بالنار ، والفاتحة قسمت بين المهديين والضالين علما أنها جمعتهما فيها وسميت الفاتحة ، وجعلت أول سور القرآن الكريم.
والنظر بالنور غير النظر بالنار ، إذ النور واسع عليم حكيم ، وصاحب النور يرى ما لا يراه الآخرون ، فالعارف لا يغضب إلا لله ولإقامة حدوده ، وعدا ذلك فهو هين لين مسامح كريم حليم عليم بسر القضاء والقدر في الخلق .. أما النظر بالنار فيؤرث نار حمية الجاهلية ، والجاهلية من الجهل ، وهي جهل الإنسان نفسه ، فالفاسق يغضب لنفسه ، وهو أسير نفسه وقوتيها الغضبية والشهوية فهو يتقلب في النار ولا يعلم.
٢١ ، ٢٢ ـ (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢))
[السجدة : ٢١ ، ٢٢]
العذاب الأدنى عذاب الصفات المذمومة ، وهي قاهرة فوق المغضوب عليهم ، كما قال سبحانه في عيسى عليهالسلام : (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) [مريم : ٣٢] أي أنه سبحانه هو الذي يجعل الجبار جبارا ، والشقي شقيا.
أما العذاب الأكبر فهو انكشاف حقيقة الأمر للإنسان ساعة الموت حيث يبرز ملك الموت في صورة صفته نفسها ، فإذا كان جبارا برز في صورة جبار ، ومعرفة سر كهذا في ساعة الموت يفوق عذابها عذاب النار.
٢٣ ، ٢٤ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤))
[السجدة : ٢٣ ، ٢٤]
القرآن وحده هو الذي قص قصص الأنبياء بالحق كقصص إبراهيم وإسحاق وإسماعيل ويوسف وموسى وعيسى عليهمالسلام ، وكم اختلف الناس في الأنبياء الآخرين كما فعلت اليهود بالنصارى ، وكما فعلت النصارى بالمسلمين إلا قليلا منهم ، أما القرآن فلقد أعطى كل ذي حق حقه ، فقال في النصارى مثلا (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣)) وقال في إبراهيم عليهالسلام الذي يعده اليهود نبيهم الأكبر : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧)) [آل عمران : ٦٧].